حاصله أنّ الالتزام المذكور لازم في إسناد تصوّر المعنى إلى المتلفّظ.
ولكن يمكن أن يقال أوّلا : أنّ إسناد المعنى إلى المتلفّظ من الامور المتأخّرة عن الوضع ولا مجال لتفسير الوضع بما يتأخّر عنه وثانيا : أنّه يكفي في الإسناد أصالة عدم اللغويّة في كلام المتكلّم التي عبّر عنها بأصالة الاستعمال كما أنّه يحتاج في إسناد تصديق المعنى الحقيقيّ وإرادته دون سائر المعاني إلى أصالة الحقيقة. وثالثا : بأنّ غرض الوضع وإن كان هو قصد التفهيم وإبراز المقاصد بالألفاظ إلّا أنّه حكمة الوضع وليس دخيلا في قوام الوضع وحقيقته فالوضع غير قصد التفهيم وإبراز المقاصد بالألفاظ وممّا ذكر يظهر أنّه لا وجه لتفسير الوضع بالالتزام المذكور كما يظهر من محاضرات الاصول حيث قال : ومن هنا أي أنّ الغرض منه قصد التفهيم وإبراز المقاصد بها ظهر أنّ حقيقة الوضع هي التعهّد والتباني النفسانيّ. (١)
هذا مضافا إلى ما أورد عليه بعض مشايخنا من أنّ أخذ الالتزام في حقيقة الوضع كما عن النهاونديّ وصاحب الدرر ومن تبعهما ممنوع من جهة أنّ لازمه عدم تمشّي الوضع ممّن يعلم أنّه لا يبتلي بالاستعمال حتّى يتعهّد باستعمال الألفاظ عند إرادة المعنى وتعقّله وقصد تفهيمه كالعالم الذي يسأل عنه انتخاب الاسم ووضعه للمولود للتبرّك وهو خلاف الوجدان. اللهمّ إلّا أن يكتفى بالالتزام إمّا من نفسه أو من المستعمل ولكن مقتضاه هو عدم تحقّق الوضع قبل التزام المستعمل أو وكالته أو إمضائه لما أتى به الواضع في حقّه وهو كما ترى. على أنّ الالتزام المذكور لو كان دخيلا في حقيقة الوضع لزم أن يكون استعمالات المستعملين من دون التعهّد المذكور استعمالات مجازيّة ولا أظنّ الالتزام بذلك.
__________________
(١) المحاضرات ١ / ٤٤.