التصديقيّة كدلالة هيئة الجملة الاسميّة كقولنا زيد قائم والفعليّة كقولنا قام زيد على النسبة التامّة الخبريّة إذ المقصود من الجمل التامّة إلقاء المعنى أي النسبة إلى المخاطب ليصدّق بوقوعها كما يدلّ ظاهرها على تصديق المتكلّم بها ما لم يقرن قرينة على الخلاف ولكن الدلالة التصديقيّة الفعليّة متأخّرة عن الوضع برتبتين وهي الوضع والعلم به واشتراط شيء في المتأخّر لا يوجب دخله في المتقدم.
٣ ـ ثمّ إنّ الإفهام والتفهيم من أفعال المتكلّم وهما على قسمين تصوّريّ وتصديقيّ. والتصوّريّ متوقّف مضافا إلى العلم بالوضع على إرادة الاستعمال بنيّة الإفهام التصوّريّ فإنّ الإفهام لا يتحقّق إلّا باللفظ الموضوع المستعمل ومن المعلوم أنّ الاستعمال لا يتحقّق بدون قصد المتكلّم والتصديقيّ من الإفهام يتوقّف مضافا إلى ذلك على الإرادة التصديقيّة كما هو ظاهر هيئة الجمل الفعليّة والاسميّة التامّة إلا أنّ الإفهام والتفهيم أيضا متأخّران عن الوضع فتوقّفهما على إرادة الاستعمال في التصوّريّة وعلى الإرادة الجدّيّة في التصديقيّة لا يستلزم مدخليّة الإرادة في الوضع أو الدلالة التصوّريّة الفعليّة لأنّ مدخليّة شيء في المتأخّر لا يوجب اعتباره في المتقدّم فلا تغفل.
٤ ـ فالمحصّل من نفس الوضع هو الدلالة التصوّريّة التي توجب إحضار المعاني في الأذهان وأمّا دلالة اللفظ على كون ذلك مراد المتكلّم فهي محتاجة إلى أمر آخر كأصالة الحقيقة وأصالة تطابق الإرادة الاستعماليّة مع الإرادة الجدّيّة فحمل اللفظ على كونه مرادا للمتكلّم يحتاج إلى جريان أصل آخر ولا يستفاد من الوضع حتّى يعدّ من القواعد الوضعيّة.
٥ ـ ومن ثمرات المبحث المذكور أنّه إن قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للمعاني المرادة فإذا انتفت المراديّة بوجه من الوجوه صارت الألفاظ مجازا لانتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه ولذلك قال في تحرير الاصول أنّه إذا استعمل اللفظ في المعنى بقصد التفهيم