وثانيا : بما أفاده في الكفاية من أنّ احتمال كون التبادر المذكور مسبوقا بالتبادر في العرف السابق مانع عن الوثوق بثبوت الحقيقة الشرعيّة بمعنى الوضع التعيينيّ بل الوضع التعيّنيّ أيضا.
كما صرّح به في نهاية الاصول حيث قال : وبالجملة كان سنخ هذه العبادات متداولا في أعصار الجاهلية أيضا وكان يستعمل فيها هذه الألفاظ المخصوصة وعلى طبقها أيضا جرى استعمال الشارع غاية الأمر أنّه تصرّف في كيفيّتها وأجزائها وشرائطها كما ثبت ذلك بالدّلائل الخاصّة. (١)
وأكّده في تهذيب الاصول حيث قال بعد ذكر الآيات النازلة في أوائل البعثة كقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ). وقوله تعالى : (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) وغيرها. كلّها شواهد بيّنة على أنّ ألفاظ العبادات كلّها معلوم المفهوم لدى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه ومعاصريه من الكفّار. وكانوا يفهمون معانيها بلا معونة قرينة. فإثبات الوضع (الشرعيّ) موقوف على ثبوت كون العبادات من مخترعات شرعنا وأنّها لم تكن عند العرب المتشرّعة في تلك الأزمنة بمعهودة وأنّى لنا بإثباته. (٢)
نعم يمكن أن يقال أنّ استعمال ألفاظ العبادات في معانيها الشرعيّة في العرف السّابق لا يمنع عن صيرورتها حقيقة شرعيّة في الأركان المخصوصة المعتبرة في شرع الإسلام بعد استعمال الشارع تلك الألفاظ فيها بداعى وضعها لخصوص هذه الأفراد من الأركان دون الأركان العامّة في العرف السابق ومن المعلوم أنّ الأركان المخصوصة المعتبرة في شرعنا تغاير الأركان المخصوصة في العرف السابق وإن كانتا مشتركتين في أصل اشتمالهما على الأركان.
__________________
(١) نهاية الاصول : ١ / ٣٨.
(٢) تهذيب الاصول : ١ / ٦٤ ـ ٦٥.