المذكورات. فإن اريد بالسجود : الخضوع المطلق ولو بنحو الخضوع التكوينيّ فلا يستقيم مع قوله : وكثير من الناس ، فإنّ مطلق الخضوع لا يختصّ بالكثير بل جميع أفراد الناس وسائر الموجودات يكونون خاضعين بالخضوع التكوينيّ. فالخضوع مختلف باختلاف الموارد ، تكوينيّ باعتبار غير ذوى الشعور وتشريعيّ خاصّ باعتبار ذوي الشعور ولذا اضطرّوا إلى تقدير : يسجد ، عند قوله : وكثير من الناس ، مع أنّه لا حاجة إلى التقدير بعد جواز استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد فالسجود استعمل في المعنيين بدليل إسناده إلى الشجر والدوابّ وإسناده إلى كثير من الناس. وهكذا «الصلاة» في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، اسندت إلى الله بمعنى الرحمة وإلى غيره بمعنى طلب الرحمة وهي مشتركة بينهما. ولا يصحّ إسنادها إلى الله تعالى بمعنى الثاني كما لا يصحّ إسنادها إلى غيره بمعنى الأوّل ولذا اضطرّوا إلى تقدير : «يصلّى» بعد قوله : «إنّ الله» مع أنّه لا حاجة إليه بعد جواز استعمال لفظ المشترك في الأكثر من معنى واحد فاسناده إلى الله تعالى وإلى غيره تعالى دليل إرادتهما واستعماله فيهما.
خلافا لما في الفصول من الالتزام بتقدير الفعل في الآيتين مع أنّ التقدير خلاف الأصل ودعوى شهادة الاستقراء على عدم الاستعمال في الأزيد وكون إرادة الأكثر خلاف المتفاهم العرفيّ كما في المحاضرات (١) ممنوعة إذ المتفاهم المذكور في غير لفظ المشترك وأمّا فيه فهو أوّل الكلام وعليه فدعوى ظهور لفظ المشترك في الأكثر من معنى واحد إذا كان المتكلّم في مقام البيان وأطلق ولم يأت بالقرينة المعيّنة ليست بمجازفة.
* * *
__________________
(١) المحاضرات ١ / ٢٠٩.