هذا كلّه مع ما في تعليقة الأصفهانيّ أيضا وحاصله : أنّه لو لا الاختلاف في المفهوم والمعنى فما وجه هذا الخلاف العظيم في هذه السنين المتمادية؟ وذلك لوضوح أنّ العقل يحكم بعدم صحّة إطلاق المشتقّ على ما زال عنه المبدأ بعد تلبّسه به فإنّ المعنى الانتزاعيّ تابع لمنشا انتزاعه حدوثا وبقاء والمنشأ مفقود بعد الانقضاء والانتزاع بدونه على حدّ المعلول بلا علّة كما يحكم العقل بعدم صحّة إطلاق الماء على الهواء بعد ما كان ماء وزالت عنه صورة المائيّة فانقلبت هواء.
وتوهّم الفرق بين الجوامد والمشتقّات بأنّ الحمل في الجوامد متواط وهو هو بخلاف المشتقّات فإنّ الحمل فيها حمل ذي هو فلا يصحّ أن يقال للهواء أنّه ماء ولكن يمكن أن يكتفى في المشتقّ بمجرّد الخروج من العدم إلى الوجود فيصحّ الحمل على ما انقضى عنه المبدأ بمجرّد حدوث المبدأ وخروجه عن العدم إلى الوجود فإنّ صاحب المبدأ يصدق بذلك.
فاسد حيث أنّ حمل المشتقّ أيضا متواط لصحّة حمله على شيء من دون واسطة لفظة ذي ، نعم نفس الأعراض كالسواد والبياض لا تصلح للحمل إلّا بواسطة ذى أو الاشتقاق فيقال : الجسم ذو سواد. أو يقال : الجسم أسود. ولذا صرّح العلّامة الطوسيّ قدسسره بأنّ حمل أبيض على الجسم كما يقال : الجسم أبيض هو حمل مواطاة. فانقدح أنّ حمل الأوصاف المشتقّة حمل هو هو والمواطاة لا حمل ذي هو وعليه فالتفرقة بين الجوامد والأوصاف المشتقّة في سنخ الحمل لا وجه لها فكما أنّ في الجوامد لا يصحّ الحمل عقلا كذلك في الأوصاف المشتقّة. (١)
وبالجملة فلو كان البحث عقليّا لكان الأمر واضحا إذ مع زوال المبدأ فلا مجال للنزاع في الصدق عقلا. فلا يناسب الخلاف الممتدّ بين الأعلام. لأنّ الميزان في صدق
__________________
(١) نهاية الدراية ١ / ٩٥ ـ ٩٦.