تأتي منها إلى الذهن مركّبة من حنطة وشعير مثلا وأمّا مثل غلام زيد فهو جملة وخارجة عن محلّ البحث إذ الكلام في المفاهيم الإفراديّة لا في مفاهيم الجملات كما أنّ مثل ألفاظ الأعداد والتثنية والجمع خارج عن محلّ البحث لأنّها لا تدلّ على المركّبات وإن دلّ على المتعدّد والمتكثّر بدلالة واحدة أو دلالات متعدّدة.
ولقد أفاد وأجاد في الوقاية حيث قال : إنّ مفهوم المشتقّ مطابق لأوّل ما ينطبع في مرآة الذهن من ملاحظة المبدأ المعنون بأحد العناوين وتلتفت إليه النفس ولا شكّ أنّه معنى بسيط فمن نظر إلى النجم لا يرى في بدء النظر جسما ونورا مرتبطين ولا شيئا ثالثا مركّبا بل يرى جسما معنونا بعنوان النورانيّة وكذلك من رأى فرسا راكضا لا يرى إلّا الفرس المعنون بعنوان الركض لا فرسا وركضا ولا ثالثا مركّبا منها وقس عليها الضارب والمضروب وسائر المشتقّات وإذا فعلت ذلك وأنصفت عرفت أنّ مفاد المشتقّ ليس إلّا الذات محدودة بتلك الحدود ومعنونا بتلك العناوين ولا فرق بين هذه المفاهيم وبين مفهوم الحجر وسائر مفاهيم الذوات إلّا أنّك تفهم من لفظ الحجر العنوان المنتزع من الذات بما هو ذات ومن المشتقّات بما هو متّصف بصفة معيّنة ومحدودة بحدود معلومة ومجرّد ذلك لا يوجب بساطة مفهوم الأوّل وتركّب الثاني إذ لا فرق بينهما في ناحية المعنى أصلا وإنّما هو في اللفظ فقطّ وإذا عرفت ذلك ظهر لك الفرق بين المشتقّ ومبدئه إذ هذا المعنى الأوّليّ البسيط هو معنى المشتقّ وللعقل بعد ذلك أن يجرّد المبدأ عن الذات ويفكّكه كما تجرّد الصور عن موادّها والأجناس عن فصولها وينسبه إلى الذات وهذا الملحوظ بالنظر التحليليّ الثانويّ هو معنى المبدأ (١).
وإليه ذهب في الدرر حيث قال : وهل يكون هذا المفهوم مركّبا من الذات و
__________________
(١) وقاية الأذهان ١٧٢ / ١٧١.