وعليه فما ذهب إليه في الكفاية (من عدم اطّلاع العرف على مثل هذا التلبّس من الامور الخفيّة لا يضرّ بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ولو بتأمّل وتعمّل من العقل) منظور فيه لأنّ مفهوم الصفات وتطبيقها ممّا يعرفه العرف وإنّما الذي يحتاج إلى تعمّل وتأمّل هو كيفيّة التطبيق لا أصل التطبيق.
ثمّ إنّ الظاهر من الكفاية أنّ منشأ ذهابه إلى أنّ تطبيق صفاته تعالى عليه تعالى عقليّ لا عرفيّ هو كبرى أخرى وهي أنّ العرف إنّما يكون مرجعا في تعيين المفاهيم لا في تطبيقها على مصاديقها مع إمكان منع ذلك لأنّ العرف مرجع في كليهما بملاك واحد فلا وجه لاختصاص مرجعيّته بالمفاهيم كما قرّر في محلّه نعم لو سامح العرف في ذلك فلا وقع لتعيينهم.
ثمّ إنّ التحقيق كما مرّ سابقا هو ظهور المشتقّ في المتلبّس بالمبدإ والتلبّس بالمبدإ تختلف باختلاف الموادّ والهيئات كقيام المبدأ به صدورا أو حلولا أو وقوعا عليه أو وقوعا فيه أو بنحو العينيّة كتلبّس ذات البارئ تعالى بأوصافه قال في الكفاية : إنّ الصفات الإلهيّة قائمة بذاته تعالى بنحو من القيام لا بأن يكون هناك اثنينيّة وكان ما بحذائه غير الذات بل بنحو الاتّحاد والعينيّة وكان ما بحذائه عين الذات.
وهذا الكلام منه لا إشكال فيه وإن كان قوله : (قائمة بذاته تعالى بنحو من القيام) مشعرا للزيادة ولكن تقييده بقوله : (لا بأن يكون هناك اثنينيّة) يكفي في شرح مراده وهو تحقّق الصفات في ذاته بنحو العينيّة.
وعليه فلا يرد عليه ما أورده في تهذيب الاصول من أنّ القول بعينيّة الصفات مع الذات غير القول بكونها قائمة بذاتها إذ لو قلنا بالقيام لتوجّه الإشكال ولا يندفع بما قال إلّا أن يراد بالقيام عدم القيام حقيقة ، لما عرفت من أنّ مراده بعد تقييد القيام بما لا يكون موجبا للاثنينيّة هو العينيّة وإنّما عبّر عن ذلك بالقيام من باب ضيق الخناق.