وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (١) فعلى الامّة جميعا أن يتمسّكوا بهما في سبيل حياتهم وحلّ مشاكلهم. ولذا كان عمل الشيعة في مجال ضبط الحديث وتقييد العلم بالكتابة لأجل هذه الوصيّة. واستمرّ هذا الضبط إلى غيبة الإمام المنتظر «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» فألّف علمائهم الفحول جوامع عظيمة في ذلك ولم يكن غرضهم من تسجيل الأحاديث هو نقلها فقطّ من دون إمعان النظر بل كان من الرواة من هو كامل حاذق يردّ الفروع إلى الاصول المرويّة عنهم عليهمالسلام عملا بما روي عنهم : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا.» (٢) ومعلوم أنّ التفريع المشار إليه في هذه الرواية ليس إلّا الاجتهاد وهو استنباط المصاديق من الكبريات الكلّيّة وهذه العمليّة كانت في زمن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام مثل ما في زماننا هذا ، مع تفاوت في كثرة التفريعات وقلّتها. قال الاصوليّ الكبير ، الإمام الخمينيّ قدس سرّه : ولا ريب في أنّ التفريع على الاصول هو الاجتهاد وليس الاجتهاد في عصرنا إلّا ذلك ، فمثل قوله : «لا ينقض اليقين بالشكّ» أصل والأحكام التي تستنبطه المجتهدون منه هي التفريعات وليس التفريع هو الحكم بالأشباه والنظائر كالقياس بل هو استنباط المصاديق والمتفرّعات من الكبريات الكلّيّة ، فقوله : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» و «لا ضرر ولا ضرار» و «رفع عن أمّتي تسعة ..» وأمثالها اصول وما في كتب القوم من الفروع الكثيرة المستنبطة منها تفريعات. (٣)
كلّما بعد العهد من زمن الرسالة وتوفّرت الدواعي غير الإلهيّة وشاع الدسّ والتحريف في الروايات وضاع القرائن الحافّة بها احتاج الاجتهاد إلى استفراغ الوسع
__________________
(١) مسند ابن حنبل ٣ : ١٤ ، دار صادر ـ بيروت.
(٢) السرائر (المستطرفات) ٣ : ٥٧٥ ، مؤسسة النشر الإسلاميّ «جماعة المدرّسين ـ قم».
(٣) الرسائل ، رسالة الاجتهاد والتقليد : ١٢٥ ، مؤسّسة إسماعيليان ـ قم.