المدوّن مشخّصا حتّى يجعل البحث عن أحواله وما تقدّم من علم الجغرافيا أصدق شاهد إذ العلم بأوضاع الأرض من جبالها ومياهها وبحارها وبلدانها لم يتيسّر إلّا بمجاهدة الرجال قد قام كلّ على تأليف كتاب في أوضاع مملكته الخاصّة به حتّى تمّ العلم ولم يكن الهدف هو هذا البحث لدى هؤلاء الرجال ، العلم بأوضاع الأرض حتّى يكون البحث عن أحوال مملكته بحثا عن عوارضها. ونظيره علم الفقه فلم يكن الفقيه الباحث لدى تأسيسه ناظرا أو لاحظا فعل المكلّف حتّى يجعله موضوعا لما يحمله عليه وما يسلبه عنه. مع أنّ ما تخيّلوه موضوعا للعلم لا ينطبق على أكثر مسائل باب الضمان والإرث والمطهّرات والنجاسات وسائر الأحكام الوضعيّة ممّا هي من الفقه بالضرورة كما أنّ ما تصوّروه موضوعا للفنّ الأعلى لا يطّرد لاستلزامه خروج مباحث الماهيات التي هي من أدقّ مسائله عنه ونظيرها مباحث كيفيّة المعاد والاعدام والجنّة والنار والقول بالاستطراد مع أنّ القضايا السلبيّة التحصيليّة موجودة في مسائل العلوم وهي لا تحتاج إلى وجود الموضوع ولم تكن أحكامها من قبيل الأعراض للموضوعات بناء على التحقيق فيها من كون مفادها سلب الربط.
ثمّ صرّح بأنّ التمايز بين العلوم بذاتها فقضايا كلّ علم مختلفة ومتميّزة بذواتها عن قضايا علم آخر من دون حاجة إلى التكلّفات الباردة اللازمة من كون التمايز بالموضوع. انتهى. (١)
ويمكن أن يقال : قلّة القضايا في بدو الأمر لا توجب أن لا يكون لها موضوع كلّيّ عند من بحث عنها فمن الممكن أنّ الباحث عن علم الجغرافيا أراد تبيين أوضاع الأرض من جبالها ومياهها وبحارها وبلدانها ومعادنها وغير ذلك وإن لم يتمكّن من جميع الموارد عملا في ذلك الحين كما أنّ الباحث عن علم الهيئة أراد تبيين أوضاع
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ / ٨ ـ ٩.