باب ما يكون فيه الرفع الاختيار ووجه الكلام في جميع اللغات
وذلك قولك : أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد وأما عبدان فذو عبدين.
وإنما يكون الرفع في هذا الوجه ، لأنه ليس بمصدر يقدر فعل من لفظه ينصبه على ما مضى في المصادر ، وهو رفع بالابتداء ، وما بعده خبره. والعائد إليه محذوف كأنه قال : أما العبيد فأنت منهم ذو عبيد أو ما جرى هذا المجرى وذكر سيبويه عن يونس أن ناسا من العرب ينصبون هذا ، ثم أبعد ذلك وقبحه.
وكان المبرد لا يجيزه أصلا ، وإنما أجازه سيبويه على ضعفه إذا لم يرد : عبيد بأعيانهم ، فإذا كانوا مختصين معروفين لم يجز عنده النصب.
وكان الزجاج يتأول في نصب العبيد تقدير الملك والملك مصدر فكأنه قال : أما ملك العبيد كما تقول : أما ضرب زيد فأنا ضاربه.
فإذا قلت : " أما البصرة فلا بصرة" ، و" أما أبوك فلا أباك" فهذا لا يكون فيه إلا الرفع ، ولا يجوز فيه النصب على مذهب من أجازه في : " أما العبد" أن هذا وما أشبهه أشياء معروفة معلومة ، فلا يجوز حملها على المصادر المبهمة.
ويستعمل مثل هذا في أحد معنيين :
ـ إما أن يكون جعل أباه غير فاعل به ما يفعله الآباء من النصرة له والبر به.
ـ وإما أن تكون الحال التي أصابت أباه أعجزته عن ذلك.
وكذلك : أما البصرة فلا بصرة لك أما أن يكون منع من البصرة ومن منافعها.
ـ أو تغيرت البصرة في نفسها فبطلت منافعها.
قال : " وسمعنا من العرب من يقول : أما ابن مزنيّة فأنا ابن مزنية كأنه قال : أما ابن مزنية فأنا ذلك".
أو فأنا هو جعله مبتدأ وخبرا ، وإن شئت نصبته على الحال ، كما تقول : أما صديقا فأنت صديق ، وأما صاحبا فأنت صاحب".
واعلم أنك إذا قلت : أما أبوك فلك أب ، وأما أبوك فلا أب لك ، فما بعد الفاء خبر عن الألف والعائد عليه مضمر والتقدير : أما أبوك فلك فيه أب ، أي : لك في ابتنائك إليه وتحققك به أب من الآباء ونصيب صالح هذا معناه ، وجرى اللفظ على الاتساع ، وجعل الأب كالظرف لنفسه ، وإن لم يصح ذلك فيه ، وإنما هو اتساع لفظ ، والمعنى ما ذكرت لك.
ومثله قولهم : " لك في هذه الدار دار صالحة" و" لك في هذا الرجل رجل صدق".
وأهل الكوفة لا يجيزون هذا حتى يخالف لفظ الآخر لفظ الأول ، فيقال : لك في هذا الدار منزل صالح ، ولك في هذا الرجل صاحب صدق ، ويحتجون بقول الله عز وجل :