وذكر سيبويه قولهم : أمّا أن جزاك الله خيرا
ومعناه : حقا أنه جزاك الله خيرا ، كما تقول : " أما أنك رجل" بمعنى : حقا أنك رجل ، وحذف اسم أن وخففت ووليها الفعل وجاز ذلك لأن هذا الكلام دعاء.
والأشياء التي تكون عوضا من التخفيف وحذف الاسم ، لا يصح وقوعها فيه ، لأن" قد" لا تقع في الدعاء ، وكذلك" السين" و" سوف" ، لأنهما يصيران الكلام يقينا واجبا ، والدعاء ليس بواجب. ولا يجوز دخول" لا" لأنها تقلب معنى الدعاء له إلى الدعاء عليه ، فاحتمل لذلك ترك العوض ، وأجازوا كسر" إن" في هذا الموضع فقالوا : " أما إن جزاك الله خيرا" ، على تخفيف" إن" ولإضمار اسمها ، ومعنى" أما" إذا كسرت" إن" ، معنى" ألا" التي يستفتح بها الكلام.
وأجاز سيبويه : " ما علمت إلا أن تقوم"
وإنما جاز ذلك لأن العلم استعمل فيه على معنى المشورة والرأي ، فصار بمنزلة الظن ، ولو أراد العلم الحقيقي لقال : " ما علمت إلا أن ستقوم"
وباقي الباب مفهوم إن شاء الله.
باب أم وأ
هذا الباب ترجمة لما يأتي بعده مفصلا إن شاء الله
هذا باب" أم" إذا كان الكلام بها بمنزلة أيهم وأيهما
اعلم أنّ" أم" فيها معنى حرف الاستفهام ، وحرف العطف وهي تشبه ـ من حروف العطف ـ " أو" فأما موقعها في الاستفهام فعلى وجهين :
أحدهما : أنها تعادل ثانيه ألف الاستفهام أولا وتكون بمعنى" أيهما" وإنما تكون كذلك إذا كان المستفهم قد عرف وقوع شيء من شيئين أو من أشياء ولا يعرفه بعينه ، فيسأل من يقدر أن عنده علم ذلك ليخبره به معينا معروفا. ويعبر عن هذا السؤال بأن فيه تسوية ومعادلة ، فأما التسوية : فهي أن الاسمين المسئول عن تعيين أحدهما مستويان في علم السائل ، فما عنده في أحدهما مثل ما عنده في الآخر. وأما المعادلة : فهي بين الاسمين ، جعلت الاسم الآخر عديلا للأول بوقوع" الألف" على الأول و" أم" على الثاني. وقد اتسعت العرب في هذا واستعملوه في غير الاستفهام ، من ذلك قول القائل : " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو" ، وهذا ليس باستفهام والمتكلم فيه بمنزلة المسئول ، والمخاطب يصير فيه بمنزلة السائل ، لأن القائل قد علمت أزيد في الدار أم عمرو ، يعتقد من قول المتكلم له أن في الدار أحدهما ، ولا يعرفه بعينه ، فهو بمنزلة السائل في الأول ، وإنما جاز الاستفهام" بأم" في هذا وما أشبهه ـ وإن لم يكن استفهاما ـ لما فيها من معنى التسوية والمعادلة ، فشبهت بالاستفهام لاجتماعهما في التسوية لا في الاستفهام.