هذا باب غير
قد تقدم أن أصل الاستثناء" إلا" وهو الحرف الموضوع له وحملت" غير" عليه لمخالفتها ما أضيفت إليه كما خالف ما بعد" إلا" ما قبلها ، الا أن" غير" من أجل أنها اسم أعربت بإعراب الاسم الذي بعد إلا ومن أجل أن" إلا" حرف لا يقع عليه عامل ، تخطي عمل ما قبلها إلى الاسم الذي بعدها فعمل فيه.
وبينّ سيبويه أن" غير" لا تكون بمنزلة" إلا" في الاستثناء في كل موضع.
فمن ذلك : (ما أتاني أحد إلا زيد خير منه) ، ولا يجوز : (ما أتاني أحد غير زيد خير منه) وذلك لوجهين :
ـ أحدهما : أن" غير" إنما تكون بمعنى" إلا" ، إذا كان بعد" إلا" اسم تصح الإضافة إليه" بغير" لأن" غير" ليست تخالف سوى الاسم الذي أضيفت إليه.
ـ والوجه الثاني : أن" إلا" يقع بعدها فعل وفاعل كقولك : ما أتاني أحد إلا يضحك ، ولا يجوز : غير يضحك ، ولا يجوز : غير يضحك ، فلا تصح إضافة" غير" إلى المبتدأ والخبر كما لا تصح إضافته إلى الفعل.
وبين سيبويه أن" غير" تجزئ من الاستثناء وإن لم تكن للاستثناء ليقوى الاستثناء بها في الموضع الذي جعلت فيه بمنزلة" إلا" وذلك قولك : أتاني غير عمرو ، " فغير" فاعل أتاني ، ولا يكون بمعنى" إلا" ، لأنك تقول : أتاني إلا عمرو ، وقد أغني عن الاستثناء ، لأن الذي يفهم به ، أن عمرا ما أتاك فخرج عمرو عن الإتيان كخروجه بالاستثناء إذا قلت : أتاني كل آت إلا عمرا.
وقد يستقيم في حقيقة اللفظ أن يكون عمرو أتاه ، وذلك أن قوله : " أتاني غير عمرو ظاهر اللفظ أن غير عمرو أتاه ، وليس في إتيان غير عمرو نفي لإتيان عمرو.
ولو قال قائل : ما أتاني غير زيد ، ولم يرد به الاستثناء ، كان حقيقة الكلام أن غير زيد ما أتاه ، وزيد مسكوت عنه ، يجوز أن يكون قد أتى ، وأن يكون لم يأت غير أن العادة جرت بأن يراد بمثل هذا الكلام ، أن زيدا داخل في الفعل الذي خرج عنه غيره ، وخارج عن الفعل الذي دخل فيه غيره.
واعلم أن سيبويه يقدر" غير" إذا لم يكن فيها معنى الاستثناء" بمثل" لأنها نقيضتها ولا تستعمل إلا مضافة كما تستعمل" مثل" وهي صفة.
هذا باب ما أجري على موضع غير
لا على ما بعد غير
رد سيبويه اعتبار" غير" إلى" إلا" ، لأنها أصل الاستثناء وأدخل" إلا" على ما بعد غير الاسمين ، حتى أدى صحة معنى الاستثناء فيهما فقال في قوله : " ما أتاني غير زيد وعمرو" :