فرفع ما بعد" حتى" على معنى : حتى أنهم لا تهر كلابهم ، أي حتى هذه حالهم. والمعنى : أن هؤلاء القوم يكثر التردد عليهم والغشيان لهم طلبا لمعروفهم حتى إن كلابهم لا تنكر من أتاهم ولا تنبحه.
وقوله : " لا يسألون عن السواد المقبل ، أي : قد عرفوا أن كل من يفد عليهم ويغشى فناءهم طالب لمعروف ، فيستغنون عن السؤال عنه لمعرفتهم به. والسواد ها هنا : الشخص ، ويكون أيضا معظم القوم.
وأنشد أيضا ـ في اتصال الفعل بعد حتى بما قبلها كاتصاله بالفاء ـ لعلقمة بن عبدة :
* تراد على دمن الحياض فإن تعف |
|
فإن المندّى رحلة فركوب (١) |
فاتصل الركوب بالرحلة هنا في ما مضى كاتصال الفعل بعد حتى بما قبلها في قولك : سرت حتى أدخلها ، أي : كان مني سير فدخول. يصف أنه سائر متعجل ، فإذا عرض ناقته على دمن الحياض وهو ما بقي من الماء فيها فتغير لقلته ، فإن عافته وامتنعت من شربه لم يقم عليها ولا نداها. والتندية : أن تشرب شيء ثم تعف ثم تعاد إلى الشرب ، ولكن يرحلها أي يجعل الرحل عليها فيركبها ، وقوله : فإن المندى رحلة ، أي : الذي يقوم لها مقام المندى رحلة ، كقولهم : " عتابك السيف.
هذا باب الرفع في ما اتصل بالأول كاتصاله بالفاء
وما انتصب لأنه غاية. تقول سرت حتى أدخلها
وقد سرت حتى أدخلها
اعتمد بهذا الباب ذكر ما قد كان بعد" حتى" متصلا بما قبلها ، وذلك ما كان من المرفوع ، وقد أوجبه ما قبله ، وما كان من المنصوب غاية وهما يتقاربان في اشتراكهما في اتصال ما قبلهما بما بعدهما ، فاتصل المرفوع بما قبله كاتصال ما بعد" الفاء" بما قبله.
وكل فعل كان مبناه على الإيجاب فهو مما يرتفع به الفعل بعد" حتى" وإن اتصل به تشكك ، كقولك : سار عبد الله حتى يدخلها وسار حتى يدخلها ، أرى وبلغني وما أشبهه.
ويجوز أن يكون ما قبل" حتى" المرفوع وما بعدها من أفعال الظن ، لأن القلوب تنعقد على ذلك ، وإن كان من فيه بعض عوارض الشك ، كانعقادها على العلم واليقين ، ويكون اللفظ عليه كما يكون ذلك في الخبر واليقين ، وذلك قولك : أظن عبد الله سار حتى يدخلها.
__________________
(١) ديوان حسان ٣٠٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤١٣ ، شرح النحاس ٢٧١ ، شرح السيرافي ٤ / ٣٢٠ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٦٩.
(٢) ديوان ١٣٢ من قصيدة في مدح الحارث بن جبلة الغساني ، الكتاب (١ / ٤١٤ ، ٤١٦).