فلا تعمل شيئا. وتكون كحروف الابتداء ، فلم يكن لها قوة الخفض فمنعوها ـ من ظهور" أن" بعدها ما أعطوه (إلى) لقوتها في الخفض.
واعلم أن رفع الفعل بعد" حتى" على وجوه : أصلها : وجه واحد في المعنى ، وذلك أن يكون ما قبلها موجبا لما بعدها ومؤديا إليه. ولكن بما يوجبه ما قبلها فقد يجوز أن يكون عقيبا له ، ومتصلا به ، وقد يجوز أن يكون متصلا به ، ولكن يكون موطأ مسهلا بالفعل الأول متى اختاره صاحبه أوقعه.
ومن هذا قوله : لقد سرت حتى أدخلها ما أمنع ، لأن السير مكن له أن يدخلها كيف شاء في المستقبل.
وكذلك : " رأى مني عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء ـ لأن الذي رأى منه العام الأول هو الذي أصاره في عامه إلى الضعف عن كلامه ، وسائره محمول على ما ذكرنا. و" حتى" في رفع الفعل بمنزلة حروف الابتداء وسبيلها في بطلان عملها في الفعل كسبيلها في بطلان عملها في الاسم إذا كانت عاطفة.
ومعنى تقدير سيبويه حتى إذا رفعت ما بعدها تقدير الفاء إنما أراد أن يشبه كون الفعل في ما مضى مع" حتى" بكونه مع" الفاء" في ما مضى ، ولم يرد أن يوجب أن عمل (حتى) ومعناها ، كعمل" الفاء" ومعناها لأن" الفاء" ، لم يكن قيام زيد من أجل خروجه.
واحتج سيبويه على أن رفع الفعل بعد حتى كرفع الاسم بقول الفرزدق :
* فيا عجبا حتى كليب تسبني |
|
كأن أباها نهشل أو مجاشع (١) |
فرفع ما بعد حتى بالابتداء والخبر.
ومعنى البيت : أنه تعجب من مهاجاة جرير له ، وكليب رهط جرير وهم لا يقاومون في الشرب نهشلا ومجاشعا ، وهم رهط الفرزدق.
وهذا كقوله :
* ولكن نصفا لو سببت وسبني |
|
بنو عبد شمس من مناف وهاشم |
فلم يرض أن يساب إلا من كان شريفا مثله. وفي البيت الأول استعظم لجرير أن يسابه وهو في الشرف دونه. والمعنى : فيا عجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني على تحقير كليب وتصغير شأنهم.
واحتج في رفع الفعل بعد حتى بقول حسان بن ثابت :
* يغشون حتى ما تهر كلابهم |
|
لا يسألون عن السواد المقبل (٢) |
__________________
(١) ديوان الفرزدق ٢ / ٥١٨.