فصرف" سبأ" ؛ لأنه قصد الحي والأب ، ولو لا أن الوجهين ـ في الصرف ، وترك الصرف ـ مشهوران في الكلام ، وقد أتت بهما القراءة ، ما كان في صرف" سبأ" في الشعر حجة ، إذا كان للشاعر أن يصرف ما لا ينصرف.
ووصف في هذا البيت إبلا أن الولدان ينفرونها ، وشبههم ـ إذا أحاطوا بها منفرين لها ـ بالدحاريج ، وهي ما يدرج ، واحدها : دحروج.
هذا باب ما لا يقع إلا اسما للقبيلة
كما أن عمان لا تقع إلّا اسما للمؤنث .... وذلك مجوس ويهود
قال امرئ القيس :
* أحار ترى بريقا هبّ وهنا |
|
كنار مجوس تستعر استعارا (١) |
فلم يصرف" مجوس" لأنه جعله اسما لجماعة هذه الملة ، وإنما شبه البرق بنار المجوس لأنهم يعبدونها ويعظمونها فهي مستعرة أبدا مشتعلة ، فشبه البرق في سطوعه وانتشاره بها. وصغره وهو يريد تعظيمه ، وقد يقع مثل هذا في كلامهم ، وقد تقدم ذلك.
وقال الأنصاري يرد على عباس بن مرداس ، وكان قد مدح بني قريظة ، وهم يهود ، فمدح الأنصاري المسلمين فقال :
* أولئك أولى من يهود بمدحة |
|
إذا أنت يوما قلتها لم تؤنب (٢) |
أي : لم تلم ـ وأما" نصارى" : فنكره ، وهو عند سيبويه جمع نصران ونصرانة ، والغالب في الاستعمال نصراني ونصرانية والأصل : نصران ونصرانة ، مثل : ندمان وندمانة ، فإذا جمع رد إلى الأصل فقالوا : نصارى ، كما قالوا : ندامى.
قال الشاعر : (٣)
* فكلتا هما خرّت وأسجد رأسها |
|
كما سجدت نصرانة لم تحنفّ |
فجاء" نصارى" على هذا وإن كان غير مستعمل في الكلام ، وقال غير سيبويه في أن" نصارى" جمع نصرى كما أن مهارى جمع مهرى.
وأنشد سيبويه على أن" نصارى" جمع نكرة لشيء مثل يهود ومجوس في التعريف ـ قول الشاعر :
__________________
(١) ديوانه ٧٧ ، الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٨ ، الكامل ٢ / ٢٤٤ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٠ ، شرح النحاس ٣١٣ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، دلائل الإعجاز ٥٩٢.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ٢ / ٢٩ ، ما ينصرف وما لا ينصرف ٦٠ ، شرح السيرافي ٤ / ١٠٧ ، اللسان (هود) ٣ / ٤٣٩.
(٣) هو أبو الأخزر الحماني ، في الكتاب ٢ / ١٠٤ ، الإنصاف واللسان.