لغيره تعالى : وقد قدمه على القدوس كما ترى ، وإنما وجب ذلك حيث لم يقصد «بالقدوس» قصد العلامة والاختصاص بالتسمية ، كما قصد بالرحمن ذلك. فقد سقط الاحتجاج بهذا ، ووجب الأخذ بما قدمناه من الحجة ، وبيناه من العلة. وبالله التوفيق.
* * *
قال سيبويه :
هذا باب علم ما الكلم من العربية
هكذا موضوع كتابه الذي نقله عنه أصحابه بتنوين «علم».
ويسأل في ذلك عن أشياء منها : أن يقال : إلى ما أشار بقوله : «هذا والإشارة إلى حاضر؟».
فالجواب في ذلك :
* أن يكون أشار إلى ما في نفسه من العلم وذلك حاضر.
* والثاني : أن يكون أشار إلى متوقع قد عرف وانتظر وقوعه في أقرب وقت ، فجعله كالحاضر تقريبا لأمره ، كقوله عز وجل : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) [الرحمن : ٤٢].
* والثالث : أن يكون وضع الإشارة ليشير بها عند الحاجة والفراغ من المشار إليه كقولك : هذا ما شهد عليه الشهود المسمون ، وهم لم يشهدوا بعد.
ومما يسأل عنه أن يقال : ما موضع «ما» من الإعراب؟ فالجواب في ذلك :
أنها في موضع رفع بالابتداء ، و «الكلم» «خبرها» والجملة في موضع نصب «بالعلم» على أن يكون التقدير : أن تعلم أي شيء الكلم من العربية؟.
أو تكون الجملة في موضع رفع على تقدير : أن يعلم. ومعنى «ما» على هذين التقديرين : الاستفهام.
وإنما لم يعمل ما قبلها في لفظها من قبل أن الأسماء المستفهم بها نائبة عن ألف الاستفهام ، والألف يقطع ما بعدها مما قبلها حتى يكون لها صدر الكلام ، كما يكون «لما» النافية ، و «إن» المؤكدة ، وسائر الحروف الداخلة على (الجمل).
ووجه ثان من وجوه «ما» : أن تكون بمعنى «الذي» وتكون صلتها «هو الكلم» ، وحذفت «هو» اختصارا ، وذلك جائز في كلامهم.
ووجه ثالث : أن تكون «ما» : صلة ، ويكون دخولها كخروجها ، إلا أنها تؤكد المعنى الذي تدخل فيه ، وتنصب «الكلم» وترفعه على تقدير : أن تعلم وأن يعلم.
ويجوز إضافة «علم» وترك التنوين منه ، وتكون «ما» مقدرة على وجوهها الثلاثة.