وقال : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) أي : هم عباد مكرمون ، وهم إضمار شيء جرى ذكره في كلام القوم فأضمروا على ذلك.
والوجه الآخر : بتقدير ، بل الذين قالوا : اتخذهم الله ولدا عباد مكرمون من غير ذكر جرى لهم.
هذا باب مجرى نعت المعرفة عليها
اعلم أن التعريف معلق بمعرفة المخاطب دون المتكلم ، وقد يذكر المتكلم ما يعرفه هو ، ولا يعرفه المخاطب ، فيكون منكورا كقولك للمخاطب : في داري رجل ، ولي بستان فتعرف الرجل بعينه والبستان وهو لا يعرفهما.
واعلم أن المعارف كلها توصف ، إلا الإضمار ، لأن فائدة النعت تخصيص المنعوت وإخراجه من الاشتراك بصفة ينفرد بها ، والمضمر لا يخلو من أن يكون عائدا على معهود أو يقع على المتكلم أو المخاطب فلم يحتج إلى النعت بخروجه عن الاشتراك.
واعلم أن الاسم المبهم مخالف لغيره في النعت ، وذلك أن ينعت بأسماء الأجناس كقولك : مررت بهذا الرجل ، وركبت هذا الفرس وما أشبه ذلك ، وإنما نعت بالجنس لأن طريق نعته على غير طريق نعت غيره ، وذلك أن غير المبهم يحتاج إلى النعت إذا شاركه غيره في لفظه ، فيبان من غيره بذكر شيء فيه دون غيره مما يحلى به على ما تقدم من ذكر ذلك.
والمبهم ، إنما دخل وصله لخروج ما فيه الألف واللام عن العهد إلى الحضور ، لأن الشيء قد يكون بحضرة اثنين لم يكن بينهما فيه عهد ، فيريد أحدهما الإخبار عنه معرفا له فلا يمكنه الإخبار عنه لعدم العهد بينه وبين مخاطبه فيه ، فيأتي بأسماء الإشارة فيتوصل بها إليه ، وينتقل من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة.
ألا ترى أنك تقول ابتداء من غير عهد تقدم : ما فعل هذا الرجل؟
فالأصل في نعت المبهم أن ينعت بالاسم لما ذكرته من أنه وصلة إلى ذكر الاسم الذي فيه الألف واللام. وقد يجوز أن ينعت بالصفة التي فيها الألف واللام من حيث جاز أن تنقلها من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة والحضرة ، ألا ترى أنك تقول : مررت بالظريف ، فيكون للعهد. تقول : مررت بهذا الظريف فيصير للإشارة. ولو لا ما احتيج إليه من التوصل إلى هذا بما فيه الألف واللام ، لما احتاجت إلى صفة لأنها ليست باسم ثابت لما تقع عليه ، ثم يشاركه غيره فيحتاج إلى فصل بينهما بالنعت والتحلية.
واعلم أن المبهم لا ينعت بالمضاف لأنه دخل لينقل ما فيه الألف واللام من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة. والمضاف تعريفه بالمضاف إليه.
ولا يغيره ، ولا يجوز الفصل بين المبهم ونعته لأن المبهم أحدث تعريفا لنعته : صار