لا يكتسب إثما في شربها.
وأنكر المبرد وغيره ما أجاز سيبويه من تسكين المتحرك في الشعر ورووا :
ـ " وقد بدا ذاك من المئزر".
ـ " وقلت صاح قوّم" ،
ـ و" فاليوم أسقى ..."
ـ ومنهم من يروي : " فاليوم فاشرب ..."
وما قاله سيبويه صحيح لأنهم لا خلاف بينهم أن الإعراب قد يزول بالإدغام ، والقراء قد أجمعوا على إدغام النون في قوله عز وجل : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) [يوسف : ١١].
والأصل : تأمننا فذهبت الضمة التي هي علامة للرفع ، فإذا كان الإعراب قد ذهب في اللفظ من المدغم في الكلام ، فغير بعيد أن يجوز إسكان الحركة في الشعر مع رواية سيبويه له وأخذه عن العرب.
باب وجوه القوافي في الإنشاد
قوله : " لأن الشّعر وضع للغناء"
يريد : أنّه يحتاج إلى ألحان موزونة ، ونغم منظومة تكرر على مقادير من الحروف وبنسب لا تختلف ، فلا يجوز أن يحمل ذلك إلا كلام موزون يكون قدر بعضه إلى بعض معروفا. ولو لا ذلك ما احتيج إلى المنظوم ، وهذا في جميع الألسنة : ما أرادوا الترنم به والغناء من الكلام كان موزونا ، وفيهم من يلزم حرفا بعينه مع الوزن. وفيهم من يعتمد على اتفاق ومقدار الحروف ، وإن لم يقفه على حرف معلوم. فلما كان موضوع الشعر للغناء والترنم ، احتاجوا ـ إذا ترنموا ـ إلى الحروف التي تتم الصوت ، وهي الألف والواو والياء فزادوها بعد حركاتها المأخوذة منها لامتداد الصوت بهذه الحروف.
فإذا أنشدوا على غير الترنم ، فأهل الحجاز أجروا آخره مجرى الترنم على كل حال ، ولزموا الأصل الذي يوجبه الشعر من التغني به ، وفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء.
وأما من أبدل مكان المدة النون من بني تميم ، فإنهم أرادوا إتمام الوزن فجعلوا مكان حرف المد نونا ؛ لأن أكثر الأواخر في الكلام منون ، فلزموا التنوين في هذا كله فحرسوا الوزن ولم ينقصوا منه شيئا ، وفصلوا بين ما يترنم به وبين ما لا يترنم به.
وأما الذين أجروه مجرى الكلام ، فذهبوا إلى أنّه لما ترك الترنم زال عنه المقصد الذي يقصد بالشعر الموزون ، فأجروه مجرى سائر الكلام ، واحتمل النقصان الوزن في اللفظ لزوال الترنم والغناء الذي يحتاج معه إلى التمام واستيفاء النغمة.
وحمل سيبويه ما يحذف من الألفات والياءات والواوات الأصليات في القوافي ؛ على ما