ويسأل عن «الكلم» فيقال : لم لم يقل : الكلام أو الكلمات؟
فالجواب : أن «الكلام» مصدر مبهم لا يخص شيئا من شيء ، و «الكلم» جمع كلمة. وإنما أراد أن يبين الاسم والفعل والحرف وهي جمع ، فعبر عنها بأشكل الألفاظ بها. ولم يقل : «الكلمات» ؛ لأن الكلم أخف منها في اللفظ فاكتفى بالأخف عن الأثقل.
ووجه ثان : أن «الكلم» اسم ذات الشيء ، و «الكلام» اسم الفعل المتصرف من «الكلم» بمنزلة : الفعل من الافتعال ، واسم ذات الشيء في الرتبة قبل ما صرف منه.
فذكر «الكلم» الذي هو الأقدم في الرتبة ، وترك «الكلام» الذي هو فرع. لو ذكره ما كان معيبا ولكنه اختار الأفصح الأجود لمعناه الذي أراده.
ويسأل عن قوله : «الكلم من العربية» لم قاله؟ والكلم أعم من العربية ؛ لأنه يشملها والعجمية ، و «من» للتبعيض ، والذي يتصل بها هو البعض الكثير. الذي يذكر منه البعض القليل؟
والجواب : أنه ذكر «الكلم» التي هي شاملة عامة ، وهو يريد بها الخصوص ، وذلك معروف في كلامهم ، ثم بين المخصوص المراد خشية اللبس ، فقال : «من العربية» تبيينا لما أراد.
ووجه ثان : أنه أراد «بالكلم» الاسم والفعل والحرف ، فعد هذه الجملة ـ التي هي : اسم وفعل وحرف ـ بعض العربية. والدليل على ذلك أن ليس من أحاط علما بحقيقة الاسم والفعل والحرف ، أحاط علما بالعربية كلها.
ودليل هذا التأويل الثاني قوله : «هذا باب علم» ولم يقل : هذا كتاب علم.
وأما إدخال الفاء في الكلم ؛ فلأنها جواب للتنبيه في قوله : «هذا» فكأنه قال : انظر وتنبه ، فالكلم : اسم وفعل وحرف.
ووجه ثان : أن الجمل تفيد معنى ، وترجمة الباب مفيدة معنى ما ، وكل جملة يجوز أن تجاب بالفاء كقولك : زيد أبوك فقم إليه.
ومما يسأل عنه قوله : «حرف جاء لمعنى» والأسماء والأفعال أيضا جئن لمعان.
والجواب : أنه أراد لمعنى في الاسم والفعل ، وإنما تجيء الحروف مؤثرة في غيرها في النفي والإثبات وغير ذلك من المعاني. والأسماء والأفعال معانيها في أنفسها قائمة صحيحة ، الدليل على ذلك أنه إذا قيل : ما الإنسان؟ كان الجواب : الحي الناطق الكاتب.
وإذا قيل : ما معنى «قام»؟
قيل : وقوع قيام في زمان ماض ، فعقل معناه في نفسه دون أن يتجاوز به إلى غيره ، وليس كذلك الحرف ؛ لأنه يعقل معناه بغيره.