فإن قلت : لم وقعت «رب» صدرا وهي من حروف الجر وحروف الجر لا يقعن صدرا؟.
فالجواب : أن «رب» ضارعت حرف النفي ، وهو «لا» التي تنفي الجنس ومضارعتها لها إنما تقلل ، والتقليل شبيه النفي فجعلت صدرا كما جعلت «لا».
وأما «قط» : فهي مبنية على السكون ؛ لأنها اسم وقع موقع فعل الأمر في أول أحواله ، وذلك قولك : «قطك درهمان» تريد : ليكفك درهمان. أو اكتف بدرهمين ونحو ذلك من التقدير في معناها. قد تقول : قدك درهمان ، وهما بمعنى «حسب».
فإن قلت : فهلا بنيت «حسبك» إذ كانت في معناهما؟
فالجواب في ذلك أن «حسب» اسم صحيح أريد به معنى الفعل بعد أن وقع متصرفا ، ولم يقع في أول أحواله موقع الفعل كما فعل «بقط».
والدليل على ذلك : أنك تقول : أحسبني الشيء إحسابا ، أي : كفاني.
وهذا عطاؤكم حساب ، أي كاف. فمعنى «حسبك» : أي كافيك في أصل موضوعه من جهة اللغة لما بيناه من تصرفه ، فلذلك لم يبن فاعرفه.
وأما «إذ» فإنها مبنية على السكون لوقوعها على الأزمنة الماضية كلها.
واحتياجها إلى إيضاح يصحح معناها ، ويفهم به موضعها كاحتياج «الذي» إلى الصلة ، فهي بعض الاسم لاحتياجها إلى ما يوضحها ، وبعض الاسم مبني.
وقوله في الأفعال الماضية : «فلم يسكنوها كما لم يسكنوا من الأسماء» إلى قوله : «بمنزلة غير المتمكن».
أي : لم يسكنوا الأفعال الماضية كما لم يسكنوا من الأسماء التي حكمها البناء ، ما كان مضارعا للمتمكن نحو : من عل ، ولا ما كان متمكنا في حال ، ثم بني لعلة دخلته نحو قولهم : أول ، ويا حكم.
اعلم أن «عل» معناه : فوق ، وفيه لغات :
يقال : جئتك من عل ، ومن عل ، ومن (علو) ، ومن علو ومن معال ، ومن عل ، وهي كلها بمعنى : فوق.
وفوق لا بد من أن يكون مضافا إلى شيء ظاهر أو مضمر أو مقدر ، فكذلك هذه الألفاظ التي في معناها. فإذا حذفت المضاف إليه لم يخل من أن يكون معرفة أو نكرة.
ـ فإن كان المحذوف نكرة : نكر «عل» ، وما كان في معناه ونوّن.
ـ وإن كان معرفة : بني لأنه بمنزلة اسم قد اكتفى ببعضه إذ حذف المضاف إليه وأدى عن معناه ، كما كان ذلك في «قبل» و «بعد».