فلم يرد أن يجعله شتما وقال الخليل : لو جعله شتما فنصبه على الفعل كان جائزا.
يعني أنه لم يجعل جسم البغل شتما ، لأن عظم الأجسام ليس بشتم ولا ذم : وإنما وصفهم بأن ليس لهم من الأحلام ما يشاكل عظم أجسامهم ، وإنما قال الخليل : ولو نصبه على الشتم لجاز لأن عظم الأجسام مع قلة العقول ذم أبلغ من ذم صغر الجسم.
وأراد بقوله : حار بن كعب : القبيلة ، وكان النجاشي يهاجيه ، وهو منها ، والجوف : جمع أجوف ، وهو العظيم الجوف ، والجماخير : جمع جمخور وهو مثل الأجوف ، وقيل هو الضعيف.
وأنشد في ما نصب على غير مدح ولا ذم :
* وما غرني حوز الرزامي محصنا |
|
عواشيها بالجو وهو خصيب |
فنصب محصنا على أعني ، وهو اسم الرزامي ، وليس فيه مدح ولا ذم ، وإظهار الفعل في مثل هذا جائز ولو كان مدحا أو ذمّا ، لم يظهر ، لأن المعنى يدل عليه ، فيصير بدلا منه.
قال : ومن هذا الترحم ، والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه.
اعلم أن مذهب الترحم غير مذهب التعظيم والشتم لأنهما شيء قد وجب للمعظم والمشتوم وشهرا به قبل التعظيم أو الشتم ، فيذكر على جهة المدح له والذم.
والترحم : إنما هو رقة وتحنن يلحق الذاكر على المذكور في حال ذكره إياه.
وأنشد :
* فأصبح بقرقري كوانسا |
|
فلا تلمه أن ينام البائسا (١) |
في تلمه. وقرقري : اسم موضع ـ وأراد بالكوانس إبلا مستقرة في مباركها.
والمكنس : الموضع الذي يكون فيه الظبي ، فاستعاره للإبل ، والبائس : المسكين.
وأنشد :
* بنا تميما يكشف الضباب (٢)
يريد أن نصب المسكين فيه معنى الترحم.
وقوله : تميما : فيه معنى الاختصاص والفخر.
قال : وزعم الخليل أنه يقول : أنه المسكين أحمق وهو ضعيف وإنما ضعف لأنه فصل بين اسم إن وخبرها.
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٥٥ ، شرح النحاس ١٨٦ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٩٠ ، همع الهوامع (١ / ٦٦ ، ٢ / ١١٧).
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٥٥ وسيكرره الأعلم النكت ٧٠٢ ، شرح السيرافي ٣ / ٣٩١ شرح المفصل ٢ / ١٨ ، حاشية الصبان ٣ / ١٨٣ ، الخزانة ٢ / ٤١٣ ، المقاصد النحوية ٤ / ٥٠٢.