بهذه البلدة ، لأنها فلاة لا أنيس بها.
وفيه وجه آخر : أن يكون" قليل" بمعنى النفي ، فيكون بمعنى ما بها أصوات إلا بغامها ، وهو استثناء وبدل صحيح ، كما تقول : أقل رجل يقول ذاك إلا زيد.
ومعنى قوله : " فألقت بلدة" ، أي : صدرا ، يعني : الناقة فوق بلدة : فوق أرض. وأراد بالبغام : صوت الناقة.
وأنشد للبيد :
* وإذا أقرضت قرضا فاجزه |
|
إنما يجزي الفتى غير الجمل (١) |
" فغير" نعت" للفتى" وجاز ذلك لأن تعريف" الفتى" جنس ، فهو مضارع للنكرة.
والمعنى : من لا يجزي فهو بمنزلة البهيمة التي لا تعقل ولا تجزي محسنا إليها بإحسانه ، ومن يجزي فليس مثل البهائم.
وأنشد أيضا :
* لو كان غيري سليمى اليوم غيره |
|
وقع الحوادث إلا الصارم الذكر (٢) |
ف" إلا" وما بعدها نعت لغير.
وقائل هذا الشعر كأنه نابته شدة فصبر لها ولم تضعفه ولا غيرته فقال : لو كان غيري ـ يا سليمى ـ في هذه الشدة لضعضعته وغيرته إلا أن يكون غيري ـ الذي يقع في هذه الشدة الصارم الذكر ـ فإنه مثلي لا تغيره هذه الشدة التي هي وقع الحوادث. وتقريبه : لو كان غيري المخالف للصارم الذكر لغيره وقع الحوادث.
وقوله : " لا يجوز أن تقول : ما أتاني إلا زيد وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل" إلى قوله : " أجمعون".
يريد أن" إلا" وما بعدها لا تقام مقام الموصوف كما يقال" مثل" و" غير" لأن الأحرف لا تتمكن في الوصف كما أن" أجمعين" لا يكون إلا نعتا للأسماء المذكورة قبله ، ولا يقام مقام المنعوت لأنه وضع للتوكيد خاصة.
وأنشد :
* وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان (٣) |
__________________
(١) ديوان لبيد ١٧٩ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٠ ، المقتضب ٤ / ٤١٠ ، مجالس ثعلب ٢ / ٤٤٧ ، شرح النحاس ٢٤٧ ، شرح السيرافي ٤ / ١١٨ ، شرح الرماني (٤٠٧ ، ٤٠٤) ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٤٠ ، دلائل الإعجاز ٣٥٣ ، الخزانة ٩ / ٢٩٦ ، المقاصد النحوية ٤ / ١٧٦.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧٠ ، شرح النحاس ٢٤٨ ، شرح السيرافي (٤ / ١١٨ ، ١٢١) ، شرح الرماني (٤٠٨ ، ٤٠٤) شرح ابن السيرافي ٢ / ٤٤ ، مغني اللبيب ١ / ١٠٠ ، شرح شواهد المغني ١ / ٢١٨.
(٣) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٣٧١ ، الكامل ٤ / ٧٦ ، المقتضب ٤ / ٤٠٩ ، شرح النحاس ٢٤٨ ، شرح ـ