وحد الكلام في ذلك أن تعطف الماضي ، ولكن الذي رفعه ، حمله على أن ما إذا وقع بعدها فعل معرب رفع فصار موضع الماضي موضع الرفع ، فلذلك رفع المستقبل بعده.
ومعناه معنى" ما كنت تأتينا فتحدّثنا".
والإتيان والحديث منفيان في ما مضى.
وقوله : " لا يسعني شيء فيعجز عنك.
ليس في هذا إلا وجه واحد ، كأنك قلت : " لا يسعني شيء إلا لم يعجز عنك". ولو حملته على الوجه الآخر من النصب فسد الكلام لأن تقديره:
" لا يسعني شيء فكيف يعجز عنك ذلك الشيء؟ ".
ومن المحال أن لا يسعه شيء ومن المحال أن كل ما لا يسعه لا يعجز عن المخاطب.
والرفع في الوجهين أيضا فاسد ؛ لأنه ينتقل معناه إلى أنه : " لا يسعه شيء" ، وهو محال.
وأنشد مستشهدا للحمل على المعنى قول الفرزدق :
* وما زرت سلمى أن تكون حبيبة |
|
إليّ ولا دين بها أنا طالبه (١) |
فعطف قوله : " ولا دين" على تقدير اللام في قوله : " أن تكون حبيبة" ، أي" ما زرتها لأن تكون حبيبة". وحقيقته : وما تركت زيارة سلمى لامتناع أن تكون حبيبة ولا أن تطالبني بدين ولكن خوف العيون والوشاة ، هكذا فسره أبو جعفر النحاس عن أبي الحسن الأخفش.
وظاهر البيت لا يدل على هذا التفسير وإنما يدل على أنه : زارها لغير محبة فيها ولا دين يطلبه عندها إلا لمعنى أراده.
وأنشد لبعض الحارثيين :
* غير أنّا لم تأتنا بيقين |
|
فنرجى ونكثر التأميلا (٢) |
كأنه قال : " فنحن نرجى على كل حال وإن لم تأتنا بيقين ، ولم يجعل الثاني واقعا بسبب الأول.
وأنشد للفرزدق :
* وما قام منا قائم في ندينا |
|
فينطق إلا بالتي هي أعرف (٣) |
__________________
(١) ديوانه ١ / ٩٣.
(٢) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤١٩ ، شرح النحاس ٢٧٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٣٤٥ ، الرد على النحاة ١٢٧ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٧٢ ، الخزانة ٨ / ٥٣٨.
(٣) ديوانه ٢ / ٥٦١ ، جمهرة أشعار العرب ٧٠٦ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٢٩ ، شرح النحاس (٥ / ٢٧٤) ، شرح السيرافي ٤ / ٣٤٥ ، المقتصد ١ / ٣٨٥ ، الرد على النحاة ١٢٤ ، حاشية الصبان ٣ / ٣٠٤ ، الخزانة ٨ / ٥٤٠ ، المقاصد النحوية ٤ / ٣٩٠.