ما بعد العشرين والضاربين.
قوله : «وربما قالوا في بعض الكلام : ذهبت بعض أصابعه» إلى قوله : «ولو قلت : ذهبت عبد أمك لم يحسن» أي لم يجز.
اعلم أن المذكر الذي يضاف إلى المؤنث على ضربين :
أحدهما : تصح العبارة عن معناها بلفظ المؤنث التي أضيف إليها لو أسقطته ، كقولك : أضربي مر السنين وذهبت بعض أصابعي. ألا ترى أنك لو قلت : أضرت بي السنون ، وذهبت أصابعي ، لكان المعنى واحدا.
ـ وأما الآخر (الذي لا) تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث فقولهم : ذهب عبد أمك. فلو قلت : ذهبت عبد أمك لم يجز ؛ لأنك لو قلت : ذهبت أمك لم يكن معناه معنى قولك : ذهبت عبد أمك ، كما كان في معنى أضرت بي مر السنون ، كمعنى أضرت بي السنون.
ـ وأنشد سيبويه للأعشى :
* وتشرق بالقول الذي قد أذعته |
|
كما شرقت صدر القناة من الدم (١) |
كأنه قال : شرقت القناة : لأنه يجوز أن تقول : شرقت القناة وإن (كان) شرق صدرها.
ومعنى تشرق : تغص.
وأنشد لجرير :
* إذا بعض السنين تعرقتنا |
|
كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (٢) |
وهو مثال الأول : ويقال : تعرقت العظم : إذا أكلت ما عليه من اللحم.
وأنشد لجرير أيضا.
* لما أتى خبر الزبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشع (٣) |
فأنث «السور» ؛ لأنه من المدينة. ألا ترى أنه لو قال تواضعت المدينة لصح المعنى الذي أراده بذكر السور.
وزعم أبو عبيدة أن «السور» جمع سورة ، وهي كل ما علا ، وبها سمي سور المدينة ، فزعم أن تأنيث تواضعت لتأنيث «السور» إذ كان جمعا بينه وبين واحده الهاء كنخلة ونخل.
وقوله : والجبال الخشع ؛ من الناس من يرفع الجبال الخشع بالابتداء والخبر كأنه قال : والجبال خشع ، لأنه إن رفعها بتواضعت ، ذهب معنى المدح ؛ لأن الخشع : هي المتضائلة ،
__________________
(١) ديوان الأعشى ٩٤ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢٥ ، معاني القرآن (١ / ١٨٧ ، ٢ / ٣٧) ، الخصائص ٢ / ٤١٧.
(٢) ديوان جرير ٢ / ٥٠٧ ، شرح الأعلم (١ / ٢٥ ـ ٣٢) ، المقتضب ٤ / ١٩٨ السيرافي ١ / ٥٦.
(٣) ديوان جرير ٢ / ٥٠٧ ، الكتاب وشرح الأعلم (١ / ٢٥ ـ ٣٢) ، المقتضب ٤ / ١٩٨ ، السيرافي ٢ / ٣٣٣.