وأنداهم يدا وأقدمهم سؤددا وأكرمهم محتدا ، وأطيبهم مولدا.
فسبق أول البرية من لا يختلف العالم فيه ، ولا له في الملوك مثيل ولا شبيه ، الملك المعتضد بالله أبو عمرو عباد بن محمد أطال الله عمره كما رفع ذكره ، وأدام ملكه كما حسن ملكه ، ومكن يده كما كثر في الناس يده.
ولو ذهب إلى عد محاسنه وإحصاء مناقبه ، لنفد الحصى قبل إحصائها ، ولم يف العدد باستيفائها.
وإن من الحق أن يصان قدره عن مدح لسان قصير ، وثناء يسير ، فالشمس لا تحتاج إلى الوصف بالضياء ، والبحر لا يفتقر إلى التعريف بالأنداء ، والصبح أشهر من أن يقام عليه دليل ، والسماء أبين من أن تبين بتمثيل. ورفعت قدره ـ أعزه الله ـ عن أن اسمه باسمه ، وأعلمه بمعلمه ، إذ كان شرارة من ذكائه ، وقطرة من سمائه فطرزته باسم الحاجب سيف الدولة أبي الوليد إسماعيل ابنه ، مد الله أمده ، كما أطاب مولده ، ليقرب له بعيد ما يلتمسه من الأدب ، ويجتنيه من كثب ، ثمرة لسان العرب. وأهديته إليه ليكون مكثرا لقليله وشافعا في قبوله وعونا في تحسينه وتجميله. والله يبقي بهجة الدنيا ببقائه ويعلي العلم بتمادي علوه وسنائه وسلامة حوبائه بمنه وفضله.
وكنت قد ألفت هذا الديوان سنة أربعين وأربعمائة بمدينة قرطبة وطرزته باسم من لم يوف قدره لقلة معرفته ، ولا أعتمل في التماس فائدته لنبو طبعه وكسل همته. ثم لم أزل بعد أنظر فيه ، وأتكرر عليه ، وأحشد الفوائد فيه إلى حين تطريزي له باسم من هو أحق به لمعرفته بقدره ...).
وهذا حين نبدأ بشرح ما شرطناه والله نستعين.
التكلم على إضافة الاسم إلى الله عز وجل
في قولنا : بسم الله الرحمن الرحيم ولزوم الألف واللام له واتصاله به ، ووقوع الرحمن بعده ـ وإن لم يكن مما قصدناه بهذا التأليف ـ لما في ذلك من الفائدة ، ثم نأخذ فيما قصدنا إليه.
أما إضافة «الاسم» إلى «الله» عز وجل ، فعلى جهة التوكيد والمبالغة في الاختصاص ، وذلك أن الاسم واقع على كل لفظ دال على مسمى ، كقولنا : رجل وفرس وزيد وعمرو ونحو ذلك ، فكل لفظة من هذه الألفاظ يقال لها : اسم لوقوعها على نوع ما ، واختصاصها به من سائر الأنواع.
فإذا قال قائل : «هذا اسم زيد» أو «اسم رجل» وهو يريد هذا الاسم الذي هو : «زيد» والاسم الذي هو : «رجل» فقد أضاف الاسم هذا اللفظ إلى زيد ، هذا اللفظ الآخر وهو هو.