فجرى هذا ونحوه على إضافة الشيء إلى نفسه.
ولا يصح ذلك في الحقيقة ؛ لأنه الشيء لا ينفصل من نفسه ، وإنما تصح إضافة الشيء إلى غيره لانفصاله منه ، إلا أن الإضافة قد اتسعت فيها العرب. فأضافت الشيء إلى نفسه في بعض المواضع تأكيدا واختصاصا لاختلاف اللفظين ولضرب من التأويل ؛ لأن اختلاف اللفظين يخرجهما إلى مشابهة ما أضيف فيه أحد الاسمين إلى غيره ، حيث لم يتفقا في اللفظ ، كما لم يتفق المختلفان في لفظ ولا معنى ، فصار قولك : «اسم زيد» إذا أردت هذا الاسم الذي هو زيد بمنزلة قولك : «هذا غلام زيد».
وأما الضرب من التأويل الذي ذكرناه ، فإن قولهم : «هذا اسم زيد» تأولوا فيه : هذا الاسم الذي هو زيد ، ثم اختصروا ، وحذفوا ، وأضافوا الاسم إلى زيد وإن كان هو كما قالوا : «هذا حسن الوجه» و «مسجد الجامع» فأضافوا الحسن إلى الوجه ، والمسجد إلى الجامع ـ والحسن هو الوجه ، والمسجد هو الجامع ـ لما أرادوا من الاختصار والإيجاز مع اختلاف اللفظين الذي قدمنا ذكره.
فمعنى قول القائل : «بسم الله» إنما يريد : أبدأ بالاسم الذي هو الله ، ومعناه كمعنى : أبدأ بالله ، وأستفتح بالله.
والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٨٧] فإنما معناه : تبارك ربك ، وأضيف الاسم إلى الرب تأكيدا لاختلاف اللفظين ، والاسم هو الرب لا غيره ، ولو كان غيره لكان المستحق للوصف بالبركة الاسم دون الرب ، وهذا ممتنع.
ومثل ذلك قول الشاعر :
* إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما (١)
إنما يريد : ثم السّلام عليكما.
وكذلك قول الآخر يصف إبلا واردة أو حمرا :
* تداعين باسم الشيب في متثلم (٢)
إنما يريد : دعا بعضهم بعضا إلى الورود بصوت الشرب ومص الماء وهو : شيب شيب. فالمعنى : تداعين بالشيب ، وبالاسم الذي هو الشيب ، فأضاف ـ كما ترى ـ الاسم إلى الشيب وهو هو ، كما أضاف (الأول) إلى السّلام ، (ومثل) هذا أضيف الاسم إلى الله فاعلمه.
وأما لزوم الألف واللام «الله» عز وجل ، ف «الله» اسم منقول من الجنس العام إلى الجنس الخاص ، وذلك أن قولنا : «إله» يقع على كل معبود عام ، لفضله عليه واستحقاقه للتسمية دون
__________________
(١) ديوان لبيد بن ربيعة ٢١٤.
(٢) ديوان ذي الرمة ٦٠٩.