[القصد] من البدل.
قوله بعد أن ذكر البدل فهذا يجيء على وجهين إلى قوله (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر ٣٠]
هذا أحد الوجهين ، والمعنى في ذلك أنه حين قال : رأيت قومك كان غرضه : رأيت ثلثي قومك ، فعبر باللفظ العام ، وهو يريد البعض كما تقول : ضج أهل بغداد ، وعسى أن لا يكون ضج منهم إلا نفر.
فإذا أراد ذلك ثم أتى بالبعض فكرره بلفظ آخر فقد أكد ، كما أكد في قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠].
وكذلك قول الشاعر :
* وذكرت تقتد برد مائها |
|
وعتك البول على أنسائها (١) |
فذكر تقتد وهو يريد برد مائها ، ثم أبدل منها ، وهذا من بدل الاشتمال وأنشده سيبويه للتأكيد الذي ذكره في البدل.
وعتك البول : يعني قدمه وصفرته ، يقال : قوس عاتكة ، والمعنى أن هذه الناقة ذكرت برد ماء هذا الموضع ، وهذا حالها لطول السفر.
ويروى «وعبك البول» وهو تلبده وتراكبه عليها.
والقول الآخر من الوجهين هو أن يتكلم فيقول : رأيت قومك وقصده إلى جميعهم ، ثم بدا له في ذلك وامتنع أن يخبر عن جميعهم فعدل إلى الإخبار عن البعض فهذا لم يكن في أول كلامه قاصدا إلى ذكر البدل ، ثم بدا له ذلك بعد أن مضى صدر كلامه على الوجه الذي لفظ به والذي قبل هذا لم يبدله بشيء لم يرد أن يتكمل به من بعد.
قوله بعد أن ذكر البدل : لأنك حملت النعت على المرور فجعلته حالا.
يعني لأنك جعلت مرفوعا ومطروحا في قولك : مررت بمتاعك بعضه مرفوعا وبعضه مطروحا ، فجعلته محمولا على المرور إذ كان العامل فيه ، وسمي مرفوعا ومطروحا نعتا لأنه يسمى نعتا كل ما فيه تمييز شيء من شيء لو لم يكن ذلك النعت لجاز وقوعه ، يعني ذلك الشيء عليه وعلى غيره.
وإذا قلت : مررت بمتاعك ، صلح أن يكون مرفوعا ، وصلح أن لا يكون مرفوعا فصار مرة مرفوعا نعتا له من طريق التمييز بين أحواله التي تتوهم وعلى ذلك سمي ضربت الناس بعضهم قائما وبعضهم قاعدا من نعت الفعل ، لأنك إذا قلت ضربت الناس جاز أن يكون مستوعبا
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ٧٥ ، شرح النحاس ٤٨ ـ ٩٩ ، شرح السيرافي ٢ / ٧٢٧ ، فرحة الأديب ٧١ ـ ٧٢.