وذلك لأنه لا خلاف بين النحويين أن قولنا زيد حسن وجه الأخ جميل وجهه جائز ، فالهاء تعود إلى الأخ لا إلى زيد فكأنا قلنا : زيد حسن وجه الأخ وكأنه قال في البيت : كميتا الأعالي جونتا مصطلا الأعالي ، فالضمير في المصطلى يعود إلى الأعالي لا إلى الجارتين.
فإن قال قائل : فلم ثنى الضمير والأعالي جمع؟.
قيل له : الأعالي في معنى الأعليين ، فرد الضمير إلى الأصل.
ومثله.
* متى ما تلقني فردين ترجف |
|
روانف إليتيك وتستطارا (١) |
فرد تستطارا إلى رانفين ؛ لأن روانف في معنى رانفين.
والقول عندي ما ذكره سيبويه من حمله على الضرورة تشبيها بغيره وذلك أن معنى البيت إنما يصح بأن يصف أعالي الأثفيين بالكميت ، لبعدهما عن مباشرة النار والدخان ، وأسافلها بالجونة والسواد لاتصالهما بذلك ، فوضع المصطلى كنية عن الأسافل ، فكأنه قال : كميتا الأعالي جونتا أسافلهما ، أي أسافل الأثفيين ، فالأسافل إنما تصح إضافتها إلى الأثفيين لا إلى أعاليهما.
ألا ترى أنك لو قلت هذه أثفية كميت الأعلى جونة الأسفل ثم اضطررت أن تضيف الأسفل إلى ضمير الأثفية أو ضمير الأعلى ، جاز لك أن تقول كميت الأعلى جونة أسفلها ، فتعيد الضمير على الأعلى ؛ لأنك لم ترد أن تجعل أعلى وأسفل مختلفين وإنما أردت أن تجعل ذلك للأثفية ، وهو صحيح.
وأنشد لرؤبة على قولك : الحسن وجها :
* الحزن بابا والعقور كلبا (٢)
معناه : الحزن بابه ، وهو الشديد. والعقور كلبه ، أي : بابه خشن غليظ لمن زاره ، وكلبه عقور لمن دنا منه.
وأنشد للحارث بن ظالم :
* فما قومي بثعلبة بن سعد |
|
ولا بفزارة الشّعرى رقابا (٣) |
فنصب رقابا بدخول الألف واللام في الشعرى ، والشعرى مؤنث الأشعر وهو الكثير الشعر. وكانت العرب تمدح بالجلاء وخفة الشعر ، فانتفى الحارث بن ظالم بن ثعلبة بن سعد
__________________
(١) ديوان عنترة ١٠٨ ، الخزانة (٤ / ٢٩٧ ، ٧ / ٥٠٧).
(٢) ديوان رؤبة ١٥ ، شرح الأعلم ١ / ١٠٣ ، المقتضب ٤ / ١٦٢ ، شرح النحاس ٦٩ ، الخزانة ٨ / ٢٢٧.
(٣) شرح الأعلم ١ / ١٠٣ ، المفضليات ١ / ٣١٤ ، معاني القرآن ٢ / ٤٠٨.