تقدير هذا الكلام : كم ضربة ضرب بالسوط؟ والهاء كناية عنه أو عن غيره مما يضرب به. والكلام مجاز لا حقيقة ؛ وذلك لأنه جعل كم لمقدار الضرب ، وجعل ضميره في ضرب مقاما مقام الفاعل ، كأنه قال أعشرون ضربة ضرب بالسوط؟ فجعل الضرب مضروبا على السعة كما تقول نهارك صائم ، والنهار لا يصوم.
قال : «وتقول ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول سير عليه ترويحتين».
يعني أنك تنصب الضربتين على الظرف إذا أردت الوقت ، كأنك قلت : ضرب به وقت ضربتين.
قوله : «ومما يجيء توكيدا وينصب قولك سير عليه سيرا» إلى قوله «ذهب به مشيا وقتل صبرا»
يعني أنك تنصب سيرا على المصدر المؤكد به كقولك : ضربت ضربا ، وعلى الحال تأكيدا أيضا كأنك قلت : سير عليه مسيرا ، على حد قولك قتل الحال به صبرا ، أي مصبورا ، فهذان الوجهان يرجعان إلى معنى واحد من جهة التوكيد.
ومثل الوجه الثاني أن تقول : قام زيد قائما ، على الحال المؤكد بها ، وربما استوحش من هذا بعض النحويين فيقول : ما الفائدة في قولك قام زيد قائما ، وأنت تعني في حال قيامه؟
قيل له إنما يذكر هذا تأكيدا ، ونظير هذا قوله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩]. فجرى قولك رسولا ـ وهو حال في التوكيد ـ مجرى قوله إرسالا.
وأنشد لذي الرمة :
* نظارة حين تعلو الشمس راكبها |
|
طرحا بعيني لياح فيه تحديد (١) |
ويروى : تجديد. واللياح : الثور الوحشي ، ومن قال تحديد أراد في بصره ، وناظره تحديد. ومن قال تجديد أراد في لونه. والجدة الطريق في الجبل تخالف سائر لونه.
والشاهد في البيت قوله : طرحا وهو مصدر فعل لم يذكر ولكن نظارة قد دلت عليه ؛ لأنه إذا قال : نظارة ، فقد علم أنها تقلب طرفها وناظرها في جهات ؛ لأن النظر إنما هو تقليب الناظر في الجهات فقد طرحته فيها ، فكأنه قال : تطرح نظرها طرحا.
وأنشد لجرير مستشهدا على أن المزيد في أوله الميم من المصادر بمنزلة غيره :
* ألم نعلم مسرحي القوافي |
|
فلا عيا بهن ولا اجتلابا (٢) |
أراد : تسريحي ، والقوافي في موضع نصب وأسكن الياء ضرورة.
__________________
(١) شرح الأعلم ١ / ١١٨ ، شرح النحاس ١١٥ ، شرح السيرافي ١ / ١٦٧.
(٢) شرح الأعلم ١ / ١١٩ ـ ١٦٩ ، المقتضب (٢ / ١١٩) ، الكامل ١ / ٢٠١.