ـ والوجه الثاني : أنا لو حذفنا الحركة ، ثم حركتها لالتقاء الساكنين لعاد إلى لفظ غير المجزوم. فلم يكن لتدخل عاملا على اسم فيحدث فيه ما لا يسلم له أبدا.
فإن قال قائل : فهلا أذهب الجزم التنوين في المنصرف ، وحذف الحركة مما لا ينصرف؟
قيل له : لو فعل ذلك لكان الاسم المنصرف كغير المنصرف مع أن التنوين يصحب الحركة ، والعوامل إنما تغير الحركات فإذا لم يغير الجزم الحركة ، كان أجدر أن لا يغير التنوين ، ولو حذفت الحركة للجزم من غير المنصرف لأشبه المبني.
قوله : «والنصب في المضارع من الأفعال» إلى قوله : «ليس ذلك في هذه الأفعال».
إن قال قائل : بم ترتفع هذه الأفعال المضارعة؟
قيل له : بوقوعها موقع الأسماء وإن اختلف إعراب الأسماء.
فإن قال قائل : لم وجب ذلك؟
قيل له : من قبل أن وقوعها موقع الأسماء ليس بعامل لفظي ، إذ كانت عوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال فأشبه الابتداء الذي ليس بعامل لفظي.
فإن قال قائل : فلم رفعتم الفعل بعد «السين» و «سوف» ولا يقع الاسم بعدهما؟
قيل له : «السين» و «سوف» إذا دخلا على الفعل صارا من صيغته بمنزلة الألف واللام إذا دخلا على الاسم ؛ لأنهما إذا دخلا ، خلصاه للمستقبل بعينه كتخليص الألف واللام الاسم للواحد بعينه.
ولم يدخلا لتغيير معنى ، وإنما دخلا لتحصيل المعنى لنا وتعريفه إيانا دون أن يتغير المعنى في نفسه.
والعوامل هي التي تدخل على الألفاظ بعد حصول معانيها ، فتقرها على ما عرفت به من معانيها.
فإن قال قائل : لم يجعلوا في إعراب الأفعال الجزم دون الأسماء؟
قيل له : لما كان الاسم هو المستحق للإعراب في أصل الكلام استحق جميع الحركات لقوته فضارع الفعل الاسم ، فجرى مجراه ، واستحال دخول الجر عليه ، فجعل مكان الجر الجزم ليكون معادلا للاسم في إعرابه لتمام مضارعته له.
قوله : «وليس في الأفعال المضارعة جر كما أنه ليس في الأسماء جزم».
اعتل في هذا الفصل بما استغنينا عن ذكره لبيانه.
واعتل الأخفش فيه بعلتين :
إحداهما : بينة ، والأخرى : غامضة فنبينها لذلك.
زعم أن الأفعال أدلة على غيرها ، يعني : على فاعلها ومفعوليها ، وزعم أن المضاف إليه