واعلم أن «أما» عند سيبويه قد نابت عن شرط الجزاء ؛ والفاء وما بعدها جواب ، والشرط الذي نابت عنه «أما» يجوز فيه وجهان :
ـ أحدهما : أن يحذف جميعه ويقدم اسم ما بعد الفاء من اسم أو ظرف أو شرط فيكون تقديم ذلك على الفاء عوضا من المحذوف.
ـ والآخر : أن يكون ما قبل الفاء جزاء من الشرط المحذوف.
فأما الاسم فقولك : أما زيدا فضربت ، والتقدير مهما يكن من شيء فقد ضربت زيدا.
وأما الظرف فقولك : أما يوم الجمعة فلا تخرج ، والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تخرج يوم الجمعة.
ـ وأما الشرط ، فقولك : أما إن جاء زيد فأكرمه ؛ لأن التقدير : مهما يكن من شيء فإن جاءك زيد فأكرمه.
فهذا تمثيل ما تقدم بعد الفاء.
وأما ما يكون قبل الفاء جزاء من الشرط المحذوف بعضه المبقّى بعضه ، فقولك : «أما علما فلا علم عند زيد».
فالعلم المنصوب ، بما دل عليه «أما» ، وتقديره : مهما يذكر زيد علما ، أي : من أجل علم أو لعلم فلا علم عنده.
فلا يجوز أن يكون العامل في «علما» ما بعد الفاء ؛ لأنه لا يعمل فيما قبله ، ألا ترى أنك لو قلت : «لا علم عند زيد» لم يحسن أن تقول : عند زيد لا علم.
واعلم أن الظاهر من كلام سيبويه أنه ينصب هذه المصادر على الحال ، وقد دل على ذلك بترجمة الباب.
وكذلك قولك : «أنت الرجل علما ودينا وفهما وأدبا».
ثم عقب في الباب بأن جعل هذا التقدير في مذهب بني تميم دون أهل الحجاز ؛ لأن بني تميم إذا أدخلوا اللام على المصدر لم يجروه مجرى الأول ورفعوه ، وأهل الحجاز يجرونه مجرى الأول فينصبونه ، فدل ذلك عنده على أن أهل الحجاز يذهبون في نصب ذلك إلى أنه مفعول له ، والمفعول له يكون معرفة ونكرة ، وأن بني تميم يذهبون به مذهب الحال ، والحال لا تكون إلا نكرة.
فإذا قالوا : أما العلم فأنا عالم ، رفعوا العلم بالابتداء ، وتقديره : مهما يكن من شيء ، فالعلم أنا عالم به ، فإذا قالوا : أما العلم فأنا عالم بالعلم فهو على ضربين :
ـ إن جعلت العلم الأول هو الثاني ، رفعته كأنك قلت : فأنا عالم به.
ـ وإن جعلت الأول غير الثاني ، نصبت الأول ويكون تقديره : أما العلم فأنا عالم