منها لأن ما بعد" أن" لا يعمل في ما قبلها قبل دخول" أما" فصرت مضطرّا إلى فتحها ، وإذا أدخلت" أما" جاز فيها الكسر ، فلم تضطر إلى فتحها وابتدأتها.
وذكر سيبويه قولهم : " أما بعد ، فإن الله عز وجل قال في كتابه" ثم قال : " ولا تكون بعد وقبل خبرين إذا لم يكونا مضافين".
ولم يذكر غيره أن بينهما ـ مضافتين ومفردتين ـ فرقا ، وإنما لم يخبر عنهما في مذهبه لنقصانهما وهما في حال الإضافة غير متمكنين ، فإذا منعا الإضافة ، ازدادا بعدا عن التمكن ، فمنعا بذلك أن يكونا خبرين.
وأما في حال الإضافة ، فالإخبار بهما جائز كقولك : " زيد قبلك" و" عمرو بعدك".
وقولهم : " لا جرم" ، هي عند الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين فعل ماض ، ويجعلون" لا" داخلة عليها ، فمنهم من يجعلها جوابا لما قبلها وهم : الخليل ومن تابعه ، ومثلوه بقول الرجل : كان كذا ، وفعلوا كذا ، فتقول : " لا جرم أنهم سيندمون".
واختلفوا في معنى : " جرم" إذا كان فعلا ماضيا.
قال سيبويه : " حقّ أن لهم النار" واستدل على ذلك بقول المفسرين : هي بمعنى" حقّا".
ويقول الشاعر :
* جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (١)
أي : حققتهم للغضب.
وقال غيره : " جرم" بمعنى : " كسب" ، من قوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) [هود : ٨٩](وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ) [المائدة : ٢] وعلى هذا تأول : جرمت فزارة ، أي : كسبت فزارة الغضب.
واختلفوا في فاعل" جرم" ، فقال المبرد" أن" في موضع رفع" بجرم" ، كأنه قال : حق كون ذلك.
و" جرم" عند الفراء وأصحابه اسم منصوب" بلا" على التبرئة وهي عندهم بمعنى : " حقّا" ومجراها في اللفظ مجرى" لا بد" و" لا محالة"
وأما : " شد ما أنك ذاهب ، وعزما أنك ذاهب" ، فقد جعله سيبويه على وجهين :
أحدهما : أن يكون بمعنى : حقّا أنك ذاهب فيكون في تأويل ظرف و" أنك ذاهب" مبتدأ ، و" شد" و" عز" فعلان في الأصل ـ دخلت" ما" عليهما فأبطل عملها ، وهما وإن جعلا
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٤٦٩ المقتضب ٢ / ٣٥٢ ، شرح النحاس ٣٠٤ ، شرح السيرافي ٤ / ٥٥٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ١٣٦ ، الخزانة ١٠ / ٢٨٣ ، اللسان (جرم) ١٢ / ٩٣.