ثم قال :
فإلا يكنها ...
يعني : إن لم يكن الزبيب : الخمر ، أن تكن الخمر : الزبيب ، فإنه أخوها يعني : الزبيب أخو الخمر لأنهم من شجرة واحدة.
قوله : «فهو كائن ومكون».
أما كائن : فهو اسم الفاعل من كان.
وأما مكون : فهو لما لم يسم فاعله ، غير أنه كان لا يجوز نقلها إلى ما لم يسم فاعله بأن يقام الخبر مقام الاسم ؛ لأنك لو حذفت الاسم لبقي الخبر منفردا. وهذا لا يجوز ؛ لأنهما بمنزلة الابتداء والخبر ، ولكن الوجه الذي يصح منه «مكون» ، أن تحذف الاسم والخبر جميعا ، وتصوغ كان لمصدرها ، فينوب ذلك المصدر مناب الاسم والخبر ، ويكون الاسم والخبر تفسيرا له. فتقول : «كين الكون زيد منطلق» فالكون اسم ما لم يسم فاعله لكين ، والجملة تفسير الكون ، فتقول على هذا : كين زيد منطلق ، فتضمر الكون في كين لدلالتها عليه إذا كان مصدرا وكون زيد منطلقا على هذا التفسير.
هذا تقدير السيرافي وغيره ، وهو مدخول لأن الجملة التي هي تفسير الأمر المضمر في كان خبر في الحقيقة على حد قولك : كان الأمر هذا ، وكان الكون هذا.
فإذا كان تقدير الجملة تقدير الخبر المنصوب المفرد بطل أن يقوم لكان مقام الفاعل كما يبطل أن يقوم الخبر المفرد مقامه.
والذي يصح عليه مكون : أن يكون منقولا من كان التامة التي يكتفى بفاعلها في قولك : كان الأمر ، أي : حدث ووقع ، ثم تحذف الأمر ويقام المصدر ـ الذي في قولك : كان الأمر كونا ـ مقامه ، فيقول : كين ، فهو مكون أي : كين الكون فهو مكون ، فتضمر الكون في كين لدلالته عليه ، كما تقول : قعد وضحك أي : قعد القعود ، وضحك الضحك ، فهذا بين إن شاء الله.
فإن قلت : «كان» تلك ليست هذه الداخلة على المبتدأ والخبر فكيف جاز لسيبويه أن يحتج لشيء بما ليس فيه؟
فالجواب : أن تلك أصل هذه ؛ لأن أصل «كان» أن تكون عبارة عن الزمان المحصل ثم تعلق على ضربين :
ـ أحدهما : تعليق الفعل الصحيح بفاعله.
ـ والآخر : على التشبيه به ، فجاز له أن يحتج لهذه الناقصة بتلك التامة لذلك فاعلمه.
فتضمر الكون في كان بدلالتها عليه إذا كان مصدرا ومكون زيد منطلق على هذا التفسير.