الباب إلا الجرمي ومن ذهب مذهبه ، فإنهم لا يرون إجراء الفعل المتعدي إلى ثلاثة مفعولين على القياس في هذا الباب ؛ لأن هذا الباب خارج من القياس ، وإنما يستعمل فيما استعملت العرب وتكلمت به.
وسائر النحويين يقيس ذلك في جميع الأفعال.
واعلم أن الفعل المتعدي إلى مفعولين مما لا يجوز فيه الاقتصار على أحدهما سبيله سبيل أعطيت إلا في الاقتصار على أحد المفعولين تقول : ظنّني وظننت زيدا منطلقا إياه ـ والنون والياء هما المفعول الأول للظن ، فأنت مضطر إلى ذكر الثاني ؛ لأنه لا يقتصر على أحد المفعولين ، فجئت به في آخر الكلام ليرجع على منطلق ؛ لأن المفعول لا يضمر قبل الذكر.
قال سيبويه مستشهدا للمحذوف في مسائل هذا الباب : «وقد جاء في الشعر من الاستغناء ما هو أشد من هذا. وذلك قول قيس بن الخطيم»:
* نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راضى والرأي مختلف (١) |
أراد : نحن بما عندنا راضون.
وتأول أبو الحسن بن كيسان هذا البيت على غير حذف ـ وهو قول غريب ـ فقال : تجعل قوله لواحد ، كأنه قال : نحن راض بما عندنا ثم عطف «واو» أنت على نحن.
وأنشد لضابئ البرجمي :
* فمن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيارا بها لغريب (٢) |
فجاء بخبر أحدهما
وقيار : اسم فرس له.
وقال ابن أحمر :
* رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطوى رماني (٣) |
وحق الكلام أن يقول : بريئين.
فهذه الأبيات أشذ مما ذكر في المسائل المتقدمة ، وذلك أنه حذف خبر الاسم الذي لا بد منه اكتفاء بخبر الاسم الأخير وما ذكره ، فإنما حذف منه المفعول المستغنى عنه.
ويروى : «ومن جول الطوى رماني».
فمن روى : ومن أجل الطوى : يعني بسبب الطوى ، والطوى : البئر ، وإنما كانت بينهم مشاجرة في بئر ، فبهته بسبب ما كان بينهم من المشاجرة وقذفه لما لم يكن فيه.
__________________
(١) المقتضب ٣ / ١١٢ ، إعراب القرآن ٢ / ٦١١ ، شرح النحاس ٣٤ ، شرح السيرافي ٢ / ٤٤٥.
(٢) شرح الأعلم ١ / ٣٨ ، معاني القرآن ١ / ٣١١ ، الكامل ١ / ٣٢٠ ، شرح النحاس ٣٣.
(٣) شرح الأعلم ١ / ٣٨ ، معاني القرآن ١ / ٤٥٨ ، شرح النحاس ٣٤.