وكذلك السوء ليس في معنى سؤته. والسوء هنا بمعنى الفساد والرداءة وليس من ساءني يسوؤني. والصدق بمعنى الجودة والصلاح ، فكأنه قال مررت برجل صاحب فساد ، وحمار ذي رداءة ، أي قال : مررت بحمار سوء.
قال : ومنه مررت برجلين مثلك ، أي : كل رجل منهما مثلك ، ووجه آخر : أنهما جميعا مثلك.
أي إذا اجتمعا كانا مثلك في القوة والغناء ، فإذا انفردا لم يكونا كذلك.
قال : ومما جاء في الشعر قد جمع فيه الاسم ، وفرق النعت وصار مجرورا.
قوله :
* بكيت وما بكا رجل حزين |
|
على ربعين مسلوب وبالي (١) |
كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة. وقد رد قوله والقوافي مجرورة.
فقال الراد عليه : بال مرفوع ومجرور على لفظ واحد لأنه من بنات الياء. والجواب عن سيبويه أن اعتماده في ذلك على ما سمعه من العرب في خفض مسلوب ، وقوى ذلك ببناء القافية على الجر ، لأن الشاعر المجيد قد يبني القافية على ما يوجب الإعراب ، ويجري باقي الشعر على تقديره ذلك الإعراب ، وإن كان لا يظهر ولا يلفظ به كقول الحطيئة :
* شاقتك أظعان لليلى |
|
دون ناظرة بواكر (٢) |
وهذه القصيدة موقوفة ، ولو أطلق أبياتها كلها لكانت مرفوعة.
وكقول الكميت :
قف بالديار وقوف زائر |
|
وتأبى أنك غير صابر (٣) |
فلو أطلق أبيات هذه القصيدة لكانت مخفوضة كلها.
وأنشد قول الرجز (٤) :
* خوى على مستويات خمس |
|
كركرة وثفنات ملس (٥) |
__________________
(١) الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٥١٤ ، المقتضب ٢ / ٢٩١ ، شرح النحاس ١٦٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٥٤ ، شرح ابن السيرافي ١ / ٦٠٣ ، شرح عيون الكتاب ١٣١ ، أوضح المسالك ٣ / ٩ ، مغني اللبيب ٢ / ٤٦٥ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٤.
(٢) ديوان الحطيئة ١٦ ، شرح الأعلم ١ / ٢١٥ شرح السيرافي ٣ / ٢٥٥.
(٣) ديوان الكميت ١ / ٢٢٣ ، شرح السيرافي ٤ / ٢٥٥ ، شرح الأعلم هامش الكتاب ١ / ٢١٥ ، معجم مقاييس اللغة ١ / ٤١.
(٤) هو العجاج كما في الكتاب وشرح الأعلم وابن منظور في اللسان.
(٥) ديوان العجاج ٧٨ ، الكتاب وشرح الأعلم ١ / ٢١٥ ، شرح النحاس ١٦٧ ، شرح السيرافي ٣ / ٢٥٦ ، شرح ابن السيرافي ٢ / ٣٢ ، شرح ابن عقيل ٣ / ٢١٨ ، اللسان ٦ / ١١١ ، ١٣ / ٧٨.