مظهرا لجاز ، ولم يكن وجه الكلام كقولك : زيد ضربت زيدا.
وإذا أعدت ذكره في غير تلك الجملة حسن إعادة ظاهره كقولك : مررت بزيد وزيد رجل صالح. فإذا قلت : ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد ، جاز الرفع والنصب. وإذا نصبت جعلت زيدا بمنزلة كنايته ، فكأنك قلت : ما زيد ذاهبا ولا محسنا هو ، كما تقول : ولا محسنا أبوه.
وإذا رفعت جعلت «زيدا» كالأجنبي وابتدأته ، وجعلت «محسنا» خبرا مقدما.
واختار سيبويه الرفع ؛ لأن العرب لا تعيد لفظ الظاهر إلا أن تكون الجملة الثانية مستأنفة ، واستشهد سيبويه ـ لجواز النصب وجعل الظاهر منزلة المضمر ـ بقول سوادة بن عدي :
* لا أرى الموت يسبق الموت شيء |
|
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (١) |
ويقول الجعدي :
* إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها |
|
سواقط من حر وقد كان أظهرا (٢) |
وذلك أن قوله : لا أرى الموت يسبق الموت شيء.
الموت الأول : مفعول «لأرى» ، و «يسبق الموت شيء» المفعول الثاني ، وهما في جملة واحدة ، فكان ينبغي أن يقول : «يسبقه شيء» فيضمر.
وقوله : «إذا الوحش ضم الوحش».
الوحش الأول مرفوع بفعل مضمر هذا الظاهر تفسيره ، كأنه قال : إذا ضم الوحش ضمه سواقط ، فهما في جملة واحدة ؛ لأن الأول لا يستغنى بنفسه ، فكان ينبغي أن يضمر ولا يظهر.
ومعنى البيت : أن الوحش تفزع إلى مواضع الظل لشدة فيح الحر. وقوله : وقد كان أظهرا ، يعني : نصف النهار. والظهر والظهيرة بمعنى. والظّللات جمع ظلل. وظلل : جمع ظليل.
وذهب أبو العباس إلى أن الموت والوحش جنسان ، فالإظهار والإضمار فيهما سواء ؛ لأنهما جنسان ، وقال : إنما كره : زيد قام زيد ، لئلا يتوهم أن الثاني خلاف الأول. وهذا لا يتوهم في الأجناس.
واستشهد سيبويه ـ لاختيار الرفع فيما تقدم ـ بقول الفرزدق :
* لعمرك ما معن بتارك حقه |
|
ولا منسيء معن ولا متيسر (٣) |
ومعن الثاني هو الأول ، بمنزلة قولك : ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد.
__________________
(١) ديوان عدي ٦٥ ، شرح الأعلم ١ / ٣٠ ، إعراب القرآن ٣ / ٩١٣ ، شرح النحاس ٧٨ ، الخصائص ٣ / ٥٣.
(٢) ديوان النابغة الجعدي ٧٤ ، شرح الأعلم ١ / ٣١ ، شرح النحاس ٧٨.
(٣) ديوان الفرزدق ١ / ٣٨٥ ، شرح النحاس ٧٩ ، ذيل الأمالى ٣ / ٧٣.