______________________________________________________
بين وجوب الاشتغال بالعلم فيجوز ، وعدمه فلا يجوز. وهذا هو الأظهر ، لأن الوجوب يوجب صدق كونه غير قادر على أن يكف نفسه عنها ، إذ المراد من القدرة ما يعم القدرة الشرعية ، فانتفاؤها كاف في صدق عدم القدرة. ولذا يجوز أخذ الزكاة لمن كان لا يقدر على المال الحلال وان كان يقدر على المال الحرام ، فاذا انتفى الوجوب ، صدق أنه قادر على أن يكف نفسه عن الزكاة. ومجرد الاستحباب ـ فضلا عن الإباحة ـ غير كاف في سلب القدرة ، كما هو ظاهر.
ودعوى : أن الأمر بطلب العلم ـ ولو على نحو الاستحباب ـ يستلزم الأمر بترك التكسب ، فيكون بذلك عاجزاً ، غير ظاهرة. إذ ـ مع أن الاستلزام ممنوع جداً ، كما حقق في مسألة الضد ـ : أن الأمر المذكور لا يصلح لتقييد ما دل على عدم جواز أخذ القادر على كف نفسه عن الزكاة ولا الورود عليها ، بخلاف الأمر الوجوبي فإنه وارد على ذلك ، لأنه يوجب سلب القدرة المأخوذة موضوعاً للمنع.
ومثله في الاشكال : ما حكي دليلا على المنع مطلقاً : من أن وجوب طلب العلم لا يصلح لمزاحمة وجوب التكسب لحفظ النفس عن الهلاك ، لأن ذلك الوجوب أهم. وفيه ـ مع أن ذلك يقتضي نفي وجوب طلب العلم ، وهو خلف ، لكون المفروض وجوب طلب العلم ، ولزوم العمل عليه عقلا ـ : أن التزاحم بين الوجوبين إنما هو في المقدار الذي يتوقف عليه الحفظ من الهلاك ، لا فيما يزيد عليه ، فاذا فرض حصول ذلك المقدار وجب العمل عقلا على وجوب طلب العلم ، لعدم المزاحم ، لحصول موضوعه فاذا وجب طلب العلم انتفت القدرة على كف النفس عن الزكاة وجاز أخذها. وحصول المقدار الضروري لا يمنع من جواز أخذها ، كما سبق. مضافاً إلى أن وجوب الحفظ من الهلاك إنما يقتضي وجوب التكسب لو انحصر