______________________________________________________
إذ استفادة ذلك لم يكن من محض الخطاب بالدفع ، وإنما كان من قرائن متصلة أو منفصلة. وكيف تصح دعوى ثبوت حق للفقراء في المال إذا نذر التصدق به عليهم مع أن ذلك أمر لم يجعله الناذر على نفسه ، ودليل الوجوب ليس إلا وجوب الوفاء بالنذر ، وهو لا يقتضي أكثر مما يقتضيه النذر؟ بل ذلك مخالفة للنذر ، لأن المنذور هو التصدق بمعنى التمليك على وجه القربة ، وهو إنما جعل بالنذر لله سبحانه ولم يجعل للفقراء ، فلو استحق الفقراء هذا التمليك بنفس النذر لزم وقوع ما لم ينذر. وبالجملة : فالقول الثاني ضعيف.
وأما القول الثالث فهو مبني على كون الظرف لغواً واللام لام التعدية لا لام الملك ويكون الظرف مستقراً ، ومعنى قول الناذر : « لله علي أن أتصدق » : « التزمت لله تعالى علي » فاللام متعلقة بـ ( التزمت ) المستفاد من الإنشاء ، فليس مفاد النذر إلا الالتزام بفعل المنذور ، ووجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوبه لا غير. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر الكلام جداً كما عرفت.
ثمَّ إنه بناء على ثبوت حق لله سبحانه أو الفقراء ، فالحق المذكور يقتضي المنع من التصرف في موضوعه ، لأن قاعدة السلطنة على الحقوق ـ التي هي كقاعدة السلطنة على الأموال ـ توجب قصور سلطنة غير السلطان عن كل تصرف مناف لذلك الحق ، ومن المعلوم أن التصرف بالعين مناف له فيمتنع. وبناء على عدمه فالتكليف بالوفاء بالنذر لما كان مستتبعاً للتكليف بحفظ المال مقدمة للتصدق ، فكل ما ينافي حفظه يكون ممنوعاً عنه ، لئلا يلزم مخالفة التكليف النفسي بالتصدق ، كما عرفت. نعم يفترق الأخير عن الأولين : بأن التصرف الاعتباري ـ بالبيع أو الهبة أو نحوهما ـ على الأخير يكون صحيحاً وإن كان محرماً ، لعدم اقتضاء تحريمه الفساد ، نظير البيع