كان يحتف به الحرس إلى نزول الآية فمن المستبعد جدا وصول الأعرابي إليه وهو نائم ، والسيف معلّق عنده ، والحرس حول قبّة النبيّ ، على أن لازم هذا : التفريق في نزول الآية ، فإنه ينص على أن النازل بعد قصة الأعرابي هو قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ولا مسانخة بين هذه القصة وصدر الآية ، ومن المستصعب البخوع لما تفرّد به بعض كتّاب العامة في مثل هذا.
وليس من المستحيل أن تكون قصة الأعرابي من ولائد الاتفاق حول نصّ الغدير ونزول الآية ، فحسب السذّج أنها نزلت لأجلها ، وفي الحقيقة لنزولها سبب عظيم هو أمر الولاية الكبرى ، ولم تك هاتيك الحادثة بمهمّة تنزل لأجلها الآيات ، وكم سبقت لها ضرائب وأمثال لم يحتفل بها ، غير أن المقارنة بينها وبين نص الولاية على تقدير صحة الرواية أوقعت البسطاء في الوهم.
كما أن الآية ليست متصلة بما قبلها وما بعدها في سياق واحد ، ولا تتصل بها في سردها ، وإنما هي آية مفردة نزلت وحدها ، ولو كانت متصلة بما قبلها وما بعدها في سياق واحد في أمر أهل الكتاب لكان محصّلها أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أشدّ الأمر بتبليغ ما أنزله الله سبحانه في أمر أهل الكتاب ، وتعين بحسب السياق أن المراد بما أنزل إليه من ربه هو ما يأمره بتبليغه في قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (١).
وسياق الآية يأباه فإن قوله (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) يدل على أن هذا الحكم المنزل المأمور بتبليغه أمر مهم فيه مخافة الخطر على نفس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو على دين الله تعالى من حيث نجاح تبليغه ، ولم يكن من شأن اليهود ولا النصارى في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يتوجه إليه من ناحيتهم خطر يسوّغ له صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يمسك عن التبليغ أو يؤخره إلى حين فيبلغ الأمر إلى حيث يحتاج إلى أن يعده الله بالعصمة منهم إن بلّغ ما أمر به فيهم حتى في أوائل هجرته صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة وعنده حدة
__________________
(١) سورة المائدة : ٦٨.