بعده ، فلا أشد عليهم عذابا من هذا الخطاب ، وخطاب الله تعالى هذا هو كلام الملك عن الله تعالى ، لأن كلام الله تعالى عباده شرف ، قال تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وقد يكون خطابا من الحق لهم وهم في النار ، فخاطبهم وهم يسمعون.
(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١٠٩)
سبحانه وتعالى خير الراحمين من باب المفاضلة ، وما جاء قط عنه تعالى أنه خير الآخذين ، ولا الباطشين ولا المنتقمين ولا المعذبين كما جاء خير الفاصلين ، وخير الغافرين ، وخير الراحمين ، وخير الشاكرين ، وأمثال هذا ، مع كونه يبطش وينتقم ويأخذ ويهلك ويعذب ، لا بطريق الأفضلية فتدبر ذلك.
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١١٥)
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) هو قوله تعالى (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ومن هنا وقع التنبيه على معرفة الحكمة التي أوجد الله لها العالم ، فإن الحق مع غناه في نفسه عن العالمين ، لما خلقهم لم يمكن إلا الرجوع إليهم والاشتغال بهم ، وحفظ العالم فإنه ما أوجده عبثا ، فيرجع إليه سبحانه بحسب ما يطلبه كل شخص شخص ، فلم يكن ذلك إلا إظهارا لحكمة عموم الرجوع الإلهي إلى العباد بحسب أحوالهم ، فإنه عام الرجوع ، فرجع على الطائعين بما وعد ، ورجع على العاصين بالمغفرة وإن عاقب ، فإن الحال الذي قام فيه العبد إذا كان سوءا فإن لسان الحال يطلب من الحق ما يجازيه به ويرجع به عليه ، إما على التخيير ، وذلك ليس إلا لحال المعصية القائم بالعاصي ، وإما على الوجوب بالتعيين ، فالرجوع الإلهي