بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن وبنورها ، وهو إدراك حقيقي ، ومن الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف ، ومنها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم وأرواح الشهداء ، ومنها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار ، وكل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه ، محبوس في صور أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصورة في النشأة الآخرة.
(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (١٠٧)
وهذه صفة أرض الآخرة ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم [إن الله يمد الأرض مدّ الأديم] وهو بسط قبضه وفرش نتوئه ، فتبسط الأرض فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، فيأخذ البصر جميع من في الموقف بلا حجاب من ارتفاع وانخفاض ، ليرى الخلق بعضهم بعضا ، فيشهدوا حكم الله بالفصل والقضاء في عباده.
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً) (١٠٨)
(وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) هذا مع الاسم الرحمن ، فكيف يكون الحال مع الجبار؟
خشوع حياء لا خشوع مهانة |
|
وهيبة إجلال وقبض تأدب |
حكم اقتضاه الموطن ، بإشارة عين وخفي صوت ، من علو الهيبة الإلهية يوم العرض ، فقد ألجم الناس العرق وعظم الخطب وجل الأمر وكان البهت (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) أي صوتا خفيا ، خشوعا لله تعالى وخضوعا ، فإن الهمس إسماع من قصدته بالإسماع خاصة.