وحقيقته المطلقة معرفة الشيء على ما هو عليه ، والمفيدة العمل به ، وهو الذي يعطيك السعادة الأبدية ، ولا تخالف فيه ، فهو نور من أنوار الله تعالى يقذفه في قلب من أراد من عباده ، وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق الأشياء ، وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر ، بل أتم وأشرف ، وكل من ادعى علما من غير عمل فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب عمل ، ولهذا لم يأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يطلب من الله تعالى الزيادة من شيء إلا من العلم ، فإنه أشرف الصفات وأنزه السمات ، فالعلم سبب النجاة وإن شقي في الطريق ، فالمآل إلى النجاة ، فلو علم المشرك ما يستحقه الحق من نعوت الجلال لعلم أنه لا يستحق أن يشرك به ، ولو علم المشرك أن الذي جعله شريكا لا يستحق أن يوصف بالشركة لله في ألوهته لما أشرك ، فما أخذ إلا بالجهل من الطرفين. ولما كانت العلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زكت نفسه وعظمت مرتبته أعلاها العلم بالله ، لهذا أمر الحق تعالى نبيه أن يقول (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) فهذا العلم الذي أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بطلب المزيد منه ، هو العلم بالله عن طريق التجلي والذوق ، فإنه أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، لا علم التكليف ، فإن النقص منه هو مطلوب الأنبياء عليهمالسلام ، فقوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) يريد من العلم به ، من حيث ما له تعالى من الوجوه في كل مخلوق ومبدع ، وهو علم الحقيقة ، فإنه لما كان الخلق على الدوام دنيا وآخرة فالمعرفة تحدث على الدوام دنيا وآخرة ، ولذا أمر بطلب الزيادة من العلم ، أتراه أمره صلىاللهعليهوسلم بطلب الزيادة من العلم بالأكوان؟ لا والله ، ما أمر إلا بالزيادة من العلم بالله ، بالنظر فيما يحدثه من الكون ، فيعطيه ذلك الكون عن أيّة نسبة إلهية ظهر ، ولهذا نبّه صلىاللهعليهوسلم القلوب في دعائه [اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم غيبك] والأسماء نسب إلهية والغيب لا نهاية له ، فلابد من الخلق على الدوام ، فكأنما يقول صلىاللهعليهوسلم : ارفع عني اللّبس الذي يحول بيني وبين العلم بالخلق الجديد ، فيفوتني خير كثير حصل في الوجود لا أعلمه ، لذا أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يدعوه بأن يزيده بطلبه علما به في كل ما يعطيه ، وهو وجه الحق في كل شيء ، فما طلب الزيادة من علم الشريعة ، بل كان يقول [اتركوني ما تركتكم] فالشرف كله إنما هو في العلم ، والعالم به بحسب ذلك العلم ، فإن أعطى عملا في جانب الحق عمل به ، وإن أعطاه عملا في جانب الخلق عمل به ، فهو يمشي في بيضاء نقية سمحاء ،