حيث إتيانه بل من حيث عينه ، فكلام الله قديم من كونه صفة المتكلم به وهو الله ، ووصف بأنه محدث الإتيان والنزول أي حدث عندهم بإتيانه كما تقول حدث عندنا ضيف ، فإنه لا يدل ذلك أنه لم يكن له وجود قبل ذلك ، ولما كان القرآن في حقنا نزل نعت الله الذكر هنا بالحدوث ، لأنه نزل على محدث لأنه حدث عنده ما لم يكن يعلمه ، فهو محدث عنده بلا شك ولا ريب ، فكلام الله المنعوت بالقدم حدث عندهم حين سمعوه فهو محدث الإتيان قديم بالعين ، وجاء في مواد حادثة ما وقع السمع ولا تعلق إلا بها بما دلت عليه هذه الأخبار ، والذي دلت عليه منه ما هو موصوف بالقدم ومنه ما هو موصوف بالحدوث ، فله الحدوث من وجه وله القدم من وجه ، فإن قلت هذا الحادث هل هو محدث في نفسه أو ليس بمحدث ، قلنا اعلم أن كلام الحادث محدث وكلام الله له الحدوث والقدم ، فله عموم الصفة فإن له الإحاطة ولنا التقييد ، فلا يضاف الحدوث إلى كلام الله إلا إذا كتبه الحادث أو تلاه ، ولا يضاف القدم إلى كلام الحادث إلا إذا تكلم به الله عند من أسمعه كلامه ، كموسى عليهالسلام ومن شاء الله من عباده في الدنيا والآخرة وأهل السعادة وأهل الشقاء ، وإن قلنا في هذا الحادث إنه صفة الحق التي يستحقها قلنا بقدمها بلا شك ، فإنه يتعالى أن تقوم الصفات الحادثات به فكلام الحق قديم في نفسه قديم بالنسبة إليه ، محدث أيضا ، كما قال عند من أنزل عليه من حيث تعلق علمهم به ، فإنه لا يعلم الكون المحدث إلا محدث مثله ، لأنه لا يعلم الشيء إلا بصفته النفسية ، فعلمنا بالله محال ، فما تعلق العلم إلا بمحدث ، ومن وجه آخر يحتمل أن يكون قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) أي أحدثت بعض هذه الأمور السؤالات ، فهو الذكر المحدث لما حدث وقد كان له الوجود ، وعين المخاطب مفقود (إلا استمعوه وهم يلعبون) فذم من لم يتلقاه بالقبول ، ومن هذه الآية ثبت حدوث القرآن عندهم لا في عينه ، فنعلم أن القرآن مجدد الإنزال على قلوب التالين له دائما أبدا ، لا يتلوه من يتلوه إلا عن تجديد تنزل من الله الحكيم الحميد ، وقلوب التالين لنزوله عرش يستوي عليها في نزوله إذا أنزل ، وبحسب ما يكون عليه القلب المتخذ عرشا لاستواء القرآن عليه من الصفة يظهر القرآن بتلك الصفة في نزوله ، وذلك في حق بعض التالين ، وفي حق بعضهم تكون الصفة للقرآن فيظهر عرش القلب بها عند نزوله عليه ، فقرآن عظيم لعرش عظيم ، وقرآن كريم لعرش كريم ، وقرآن مجيد لعرش مجيد ، فكل قرآن مستو على عرشه