ويحيى في الماء كما يحيى البحري ، وبالهواء تكون حياته في الموضعين ، والماء أصله من كونه حيا ، ثم قال تعالى : (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) أي يصدقون بذلك وبما يرونه من حياة الأرض بالمطر ، وحياة الأشجار بالسقي ، حتى الهواء إن لم يكن فيه مائية وإلا أحرق ، وإنما قرن به الإيمان لجواز خلافه عقلا ، الذي هو ضد الواقع (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) وينظرون في قولنا : (مِنَ الْماءِ) فيعلمون طبع الماء وأثره ، وفيمن يؤثر وما يدفع به ، فيعلم أن العالم موصوف بنقيض ما يقتضيه الماء فيحكم عليه به ، فإن الواقع في العالم غلبة الحرارة واليبوسة عليه لما ذكرناه ، فثار عليه سلطان الحرارة واليبس ، فلم تكن حياة إلا ببارد رطب فكان الماء.
(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١)
لما رأت الملائكة ميد الأرض ، وقد حصل لهم التعريف من الله بأنها محل خلق يخلقون منها على نشأة مخصوصة ، لا يمكن معها التصرف إلا على ساكن فقالت يا ربنا كيف استقرار عبادك على هذه الأرض ، فأبدى لهم تجليا أصعقهم به ، وخلق من الأبخرة الغليظة المتراكمة الكثيفة الصاعدة من الأرض الجبال ، فقال بها عليها فسكن ميد الأرض ، وذهبت تلك الحركة التي لا يكون معها الاستقرار ، ثم أفاق الملأ الأعلى من صعقتهم ، فرأوا من قدرة الله ما هالهم ، فقالوا ربنا هل خلقت شيئا أشد من هذه الجبال ، فقال نعم الحديد ، فقالوا ربنا فهل خلقت شيئا أشد من الحديد ، فقال نعم النار ، فقالوا ربنا فهل خلقت شيئا أشد من النار ، قال نعم الماء ، فقالوا ربنا فهل خلقت شيئا أشد من الماء ، قال نعم الريح ، فقالوا ربنا فهل خلقت شيئا أشد من الريح ، قال نعم الإنسان يتصدق بصدقة فلا تعرف شماله ما تنفق يمينه ، فهذا هو الذي ملك الهواء ، فمن ملك هواه فهو أشد من الهواء ، وهو الذي ينبغي أن يقال له إنسان ، ومن لم يحكم هذا المقام فهو حيوان صورته صورة إنسان لا غير ، فقالت سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إذ تكلمنا بما لا ينبغي لنا أن نتكلم به فإنك أنت العليم القدير.
(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي