لأنهم قائلون بكبرياء الحق على آلهتهم التي اتخذوها ، فهذا الذي قاله إبراهيم عليهالسلام صحيح في عقد إبراهيم عليهالسلام ، وإنما أخطأ المشركون حيث لم يفهموا عن إبراهيم ما أراد بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) ، فكان قصد إبراهيم عليهالسلام بكبيرهم الله تعالى وإقامة الحجة عليهم ، وهو موجود في الاعتقادين ، وكونهم آلهة ذلك على زعمهم ، والوقف عليه حسن تام ، وابتدأ إبراهيم بقوله : (هذا) إشارة ابتداء وخبره محذوف يدل عليه قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) ، أو «هذا قولي» فالخبر محذوف يدل عليه مساق القصة ، (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) إقامة الحجة عليهم منهم ، فهم يخبرونكم ، ولو نطقت الأصنام في ذلك الوقت لاعترفوا بأنهم عبيد ، وأن الله هو الكبير العلي العظيم ، ولنسبت الفعل إلى الله لا إلى إبراهيم ، فإنه مقرر أن الجماد والنبات والحيوان قد فطرهم الله على معرفته وتسبيحه بحمده ، فلا يرون فاعلا إلا الله ، ومن كان هذا فطرته كيف ينسب الفعل لغير الله ، فكان إبراهيم على بينة من ربه في الأصنام أنهم لو نطقوا لأضافوا الفعل إلى الله ، لأنه ما قال لهم سلوهم إلا في معرض الدلالة ، سواء نطقوا أو سكتوا ، فإن لم ينطقوا يقول لهم : «لم تعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنكم من الله شيئا» ولا عن نفسه ، ولو نطقوا لقالوا إن الله قطعنا قطعا ، لا يتمكن في الدلالة أن تقول الأصنام غير هذا ، فإنها لو قالت الصنم الكبير فعل ذلك بنا لكذبت ، ويكون تقريرا من الله بكفرهم وردا على إبراهيم عليهالسلام ، فإن الكبير ما قطعهم جذاذا ، ولو قالوا في إبراهيم إنه قطعنا لصدقوا في الإضافة إلى إبراهيم ولا تلزم الدلالة بنطقهم على وحدانية الله ببقاء الكبير ، فيبطل كون إبراهيم قصد الدلالة ، فلم تقع ولم يصدق (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) فكانت له الدلالة في نطقهم لو نطقوا كما قررنا ، وفي عدم نطقهم لو لم ينطقوا ، ومثل هذا ينبغي أن يكون قصد الأنبياء عليهمالسلام ، فهم العلماء صلوات الله عليهم ، ولهذا قال تعالى :
(فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) (٦٥)
فقال الله لمثل هؤلاء (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) فالذين عبدوا من ينطق ويدعي الألوهة