من الغرض ، وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه ، حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم في الدنيا على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) لو لا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق ، فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق ـ الوجه الثاني ـ جعل الله في الوجود كتابين ، كتابا سماه أمّا ، فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتبه بحكم الاسم المقيت ، فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها ، وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة ، فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف ، وبه تقوم الحجة لله على المكلفين ، وبه يطالبهم لا بالأم ، وهذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا الله في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه (احْكُمْ بِالْحَقِّ) ، يريد هذا الكتاب ، وهو كتاب الإحصاء فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وكل صغير وكبير مستطر ، وهو منصوص عليه في الأم.
(٢٢) سورة الحج مدنيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٢)
إذا كان يوم العرض ، ووقع الطلب بالسنة والفرض ، وذهلت كل مرضعة عما أرضعت ، وزهدت كل نفس فيما جمعت ، وألجم الناس العرق ، وامتازت الفرق ، واستقصيت الحقوق ، وحوسب الإنسان على ما اختزنه في الصندوق ، زال الريب والمين ، وبان الصبح لذي عينين ، وندم من أعرض وتولى ، وفاز بالتجلي السعادي كل قلب بالأسماء