الجميع ، فما أنكر أحد الله ، وأنكر الرحمن ، فإنهم قالوا : [وما الرحمن؟] ولما كان الحج لبيت الله الحرام تكرار القصد في زمان مخصوص ، كذلك القلب تقصده الأسماء الإلهية في حال مخصوص ، إذ كل اسم له حال خاص يطلبه ، فمهما ظهر ذلك الحال من العبد طلب الاسم الذي يخصه ، فيقصده ذلك الاسم ، فلهذا تحج الأسماء الإلهية بيت القلب ، وقد تحج إليه من حيث أن القلب وسع الحق ، والأسماء تطلب مسماها ، فلا بد لها أن تقصد مسماها ، فتقصد البيت الذي ذكر أنه وسعه السعة التي يعلمها سبحانه ، والعمرة التي هي الزيارة بمنزلة الزور الذي يخص كل إنسان ، فعلى قدر اعتماره تكون زيارته لربه. فالطائفون بالكعبة كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، فيلزم الطائف التسبيح في طوافه والتحميد والتهليل وقول : [لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم].
جسم يطوف وقلب ليس بالطائف |
|
ذات تصدّ وذات ما لها صارف |
يدعى وإن كان هذا الحال حليته |
|
هذا الإمام الهمام الهمهم العارف |
هيهات هيهات ما اسم الزور يعجبني |
|
قلبي له من خفايا مكره خائف |
ولما كان الحج تكرار القصد سمي تكرار الخواطر حجا.
(وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢٧)
روي عن إبراهيم الخليل عليهالسلام أنه لما بنى البيت أمره ربه تعالى أن يصعد عليه وأن يؤذن في الناس بالحج ، فقال يا رب وما عسى يبلغ صوتي فأوحى إليه عليك النداء وعلي البلاغ ، فنادى إبراهيم عليهالسلام يا أيها الناس إن لله بيتا فحجوه ، قال فأسمع الله ذلك النداء عباده ، فمنهم من أجاب ومنهم من لم يجب ، وكانت إجابتهم مثل قولهم بلى حين أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ، فمنهم من سارع إلى إجابة الحق وهم الذين يسارعون في الخيرات ، والقائلون بأن الحج على الفور للمستطيع ، ومنهم من تلكأ في الإجابة فلم يسرع إلا بعد حين ، وهو الذي يقول الحج مع الاستطاعة على التراخي ، ثم إن الذين أجابوه منهم من كرر الإجابة ومنهم من لم يكرر ، فمن لم يكرر لم يحج إلا واحدة ، ومن كرر حج على قدر ما كرر وله أجر فريضة في كل حجة ، (يَأْتُوكَ رِجالاً) يريد على أرجلهم لا يركبون (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).