لم يعظمها عند ربه ونحن في دار التكليف ، فما فاتنا في هذه الدار من ذلك فاتنا خيره في الدار الآخرة ـ وجه آخر ـ (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) يعني خيرا له ممن يعظم شعائر الله إذا جعلنا خير بمعنى أفعل من ، ليميز بين تعظيم الشعائر وتعظيم حرمات الله ، فإن حرمة الله ذاتية فهو يقتضي التعظيم لذاته ، بخلاف الأسباب المعظمة ، فإن الناظر في الدليل ما هو الدليل له مطلوب لذاته ، فينتقل عنه ويفارقه إلى مدلوله ، فلهذا العالم دليل على الله لأنا نعبر منه إليه تعالى ، ولا ينبغي أن نتخذ الحق دليلا على العالم فكنا نجوز منه إلى العالم وهذا لا يصح قال تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ) إلى كذا ، وعدّد المخلوقات لتتخذ أدلة عليه لا ليوقف معها ، فهذا الفرق بين حرمات الله وشعائر الله ـ وجه آخر ـ العامل في ظرف «عند ربه» أي من يعظم حرمات الله عند ربه أي في المواطن التي يكون العبد فيها عند ربه كالصلاة مثلا ، فإن المصلي يناجي ربه فهو عند ربه ، فإذا عظم حرمة الله في هذا الموطن كان خيرا له ، والمؤمن إذا نام على طهارة فروحه عند ربه ، فيعظم هناك حرمة الله فيكون الخير الذي له في مثل هذا الموطن المبشرة التي تحصل له في نومه أو يراها له غيره ، والمواطن التي يكون العبد فيها عند ربه كثيرة فيعظم فيها حرمات الله فليبحث العبد عن المواطن التي يكون فيها عند ربه فيعظم حرمة الله في تلك المواطن ، وتعظيمها أن يتلبس بها حتى تعظم (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) لأنه مال بصاحبه عن الحق الذي هو الأمر عليه وزال عن العدل.
(حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (٣١)
(حُنَفاءَ لِلَّهِ) فيكون العبد من المخلصين ويكون الدين مستخلصا من الشيطان ، أو من الباعث عليه من خوف ورغبة وجنة ونار ، فيميل العبد به عن الشريك ولهذا قال فيه : (حُنَفاءَ لِلَّهِ) أي مائلين إلى جانب الحق ـ الذي شرعه وأخذه على المكلفين ـ من جانب الباطل (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) وهو مثل قوة حكم النفس (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ).