تقلب يتقلب فيه فهو غاية ما طلب الله من الإنسان ، ولا يناله إلا الأقوياء الكمل من الخلق ، لأن الشعور بهذا التقليب عزيز ، ولهذا قال شعائر الله أي هي تشعر بما تدل عليه ، وما تكون شعائر إلا في حق من يشعر بها ، ومن لا يشعر بها وهم أكثر الخلق فلا يعظمها ، فإذا لا يعظمها إلا من قصد الله في جميع توجهاته وتصرفاته كلها ، ولهذا ما ذكرها الله إلا في الحج الذي هو تكرار القصد ، ولما كان القصد لا يخلو عنه إنسان كان ذكر الشعائر في آية الحج وذكر المناسك ، وهي متعددة أي في كل قصد ، ثم إن كل شعائر الله في دار التكليف قد حد لها للمكلف في جميع حركاته الظاهرة والباطنة حدودا عمت جميع ما يتصرف فيه روحا وحسا بالحكم ، وجعلها حرمات له عند هذا المكلّف ، فقال : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) وتعظيمها أي يبقيها حرمات كما خلقها الله في الحكم ، وهذا لا يكون إلا من تقوى القلوب ، فكل شيء في العالم أوجده الله لا بد أن يكون مستندا في وجوده إلى حقيقة إلهية ، فمن حقره واستهان به فإنما حقر خالقه واستهان به ، لأن كل ما في الوجود حكمة أوجدها الله ، لأنه صنعة حكيم ، فلا يظهر إلا ما ينبغي لما ينبغي كما ينبغي ، فمن عمي عن حكمة الأشياء فقد جهل ذلك الشيء ، ومن جهل كون ذلك الأمر حكمة فقد جهل الحكيم الواضع له ، ولا شيء أقبح من الجهل ، ولا تكون التقوى من جاهل ، والشعائر وإن كانت عظيمة في نفسها بما تدل عليه وعظيمة من حيث إن الله أمر بتعظيمها ، فموجدها وخالقها الآمر بتعظيمها أكبر منها وأعظم ، وما يقوم بحق التعظيم إلا من عظمه باستمرار الصحبة ، لا من عظمه عندما فجأه ، ذلك تعظيم الجاهل ، فمن عاين الخلق الجديد لم يزل معظما للشعائر الإلهية.
(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣٣)
(لَكُمْ فِيها) يعني البدن (مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) اعلم أن البدن جعلها الله من شعائره ، ولهذا تشعر ليعلم أنها من شعائر الله ، وما وهب لله لا رجعة فيه ، ألا تراها إذا ماتت قبل وصولها إلى البيت كيف ينحرها صاحبها ويخلي بينها وبين الناس ولا يأكل منها شيئا ، وما عظم الله شعائره سدى ، لأنه ما عظم إلا من يقبل التعظيم ، وأما العظيم فلا يعظم ، فالله عظيم والعالم كله لإمكانه حقير ، إلا أنه يقبل التعظيم ، ولم يكن له طريق في التعظيم إلا أن يكون من شعائر الله عليه ـ إشارة ـ البيت العتيق عند أهل