فحصلت له القربة بعد ما كان موصوفا بالبعد إذ كان شيطانا ، فإذا كانت الشياطين قد أصابتهم الرحمة فما ظنك بأهل الإسلام ـ نحر البدن ـ خرج أبو داود أن النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليد اليسرى ، قائمة على ما بقي من قوائمها.
(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧)
ولذلك قال تعالى في الآية السابقة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) من حيث أن الإنفاق له وجهان وجه إلى الحق ووجه إلى الخلق (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) بل عادت منفعتها علينا من أكل لحومها والأجر الجزيل في نحرها والصدقة بلحومها (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) فنالنا منها لحومها ونال الحق منها التقوى منا فيها ، فالحق تناله التقوى أعني تقوى القلوب ، فإنها شعائر الله ، ومن تقوانا تعظيمها ، وهو ضرب من العلم بالله من تقوى القلوب ، واعلم أن المراد بإثبات النيل هنا وعدم النيل في جانب الحق أن الله سبحانه ما يناله شيء من أعمال الخلق ، مما كلفهم العمل فيه نيل افتقار إليه وتزين به ليحصل له بذلك حالة لم يكن عليها ، ولكن يناله التقوى وهو أن تتخذوه وقاية مما أمركم أن تتقوه به على درجات التقوى ومنازله ، فمعنى يناله التقوى أنه يتناولها منك ليلبسك إياها بيده تشريفا لك حيث خلع عليك بغير واسطة ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنما هي أعمالكم ترد عليكم ، فيكسوكم الحق من أعمالكم حللا على قدر ما حسّنتموها واعتنيتم بأصولها ، فمن لابس حريرا ، ومن لابس مشاقة كتان وقطن وما بينهما ، فسواء كانت الخلعة من رفيع الثياب أو دنيئها فذلك راجع إليك ، فإنه ما ينال منك إلا ما أعطيته ، وإن جمع ذلك التقوى ، فإنه لا يأخذ شيئا سبحانه من غير المتقي ، فلهذا وصف نفسه بأن التقوى تناله من العباد ، والتقوى من المتقين من خلقه ، (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) الذين أشهدهم كبرياءه.
(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ